ثالثًا: المُفَاخَرة والمُنَاثرة: قد يتَحَدّثُ رَجُلان في أمر صغير أو كبير؛ فيَتَلاحَيانِ ويَشْتَدُّ فخر كل منهما على صاحبه؛ فيَتَحَاكَمان إلى شخص أو جماعة، وكُلٌّ يَتَقَدَّمُ بفخره ومكان شرفه؛ فيُدلي به على مسمع من ذويه، ومن ارتضاه حكمًا، وتُسمى هذه منافرة، وقد كانت كثيرة لدى العرب، ومن ذلك منافرة علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل، تحادثا ثم تهاجيا ثم تنافرا على مائة من الإبل، يعطيها للحكم أيهما نفر عليه صاحبه، وكانت منافرتهما إلى هرم بن قطبة؛ فألقى كل منهما من بليغ القول ما رأى فيه فخارًا له على ملئ من قومهما. وفي المنافرات كهذه المنافرة ميدان متسع للخطابة والبيان الرائع.

رابعًا: الدعوة إلى الفضيلة، ونبذ الخرافات: وقد كان هذا من ميادين القول؛ إذ وُجِدَ من العربِ مُصْلِحُون حُكَمَاء، رأوا ما عليه أقوامهم من انحدار في بعض الشروط، وامتلاء رءوسهم بالخرافات والأوهام الصادرة عن الجهل الموبق، وقد كانت دعوتهم تجري نفوسًا مصغية وقلوبًا صاغية، ومن هؤلاء قس بن ساعدة، وجمع من خطباء عبد القيس، وإياد، أكثم بن صيفي، وكعب بن لؤي جد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومكان هذه الدعوة الأسواق التي كانت تعد منتديات العرب الأدبية كما ذكرنا.

خامسًا: الدعوة إلى الوحدة العربية: وكثيرًا ما كان ذلك في دار الندوة، وفي وفود العرب على رؤساء القبائل وزعمائها، والملوك من العرب، ورُبّما كان يَقَعُ منها شيء في الأسواق، التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015