إنّ الابتلاء سُنّة من سُننِ اللهِ الكونية، التي لا تتبدل ولا تتغير؛ ولكنها يَعْقُبها دائمًا النصر والتأييد والتمكين.
ولذلك سُئلَ الإمام الشّافعي -رضي الله عنه-: أيهما أحب إليك أن يبتلى الرجل ثم يُمكن، أم يُمكن ثم يبتلى؟ فقال: لا يُمكن حتى يبتلى، ثم قرأ قول الله -عز وجل-: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين} (العنكبوت: 2، 3)
ولقد كان من وصايا لُقْمَان الحكيم لابنه وهو يَعظه: أنه وصاه بالصبر بعد أن أمره بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومدحه الله تَعالى على هذه الوصية، وسَجّلها في كتابه؛ فهي تُتْلَى ويتقرب بتلاوتها إلى الله إلى يوم الدين: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور} (لقمان: 17).
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلاه الله على حسب دينه؛ فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)).
ولقد أوذي المؤمنون الأولون من المهاجرين أيما إيذاء، فصبروا واحتسبوا ولما جاءوا يشكون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما زاد على أن ذكرهم بما كان يُصيب المُؤمنين من السابقين من الأذى، وكيف صبروا حتى أتاهم نصر الله، يقول الخباب بن الأرت -رضي الله عنه-: ((شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مُتوسد بُردة له في ظل الكعبة؛ فقلنا: يا رسول الله، ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: قد كان من كان قبلكم يؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يُؤتى بالمِنْشَار؛ فيوضع على مفرق