والإخلاص له، والاستعانة به، والتّسليمِ لجَنابه ويندفع بكليته إلى العمل بكل أمانة وجدية وإتقان، بل يَكُون إذا مشى في الناس إنسانًا سويًّا وبرًّا تقيًّا، وريحانة طيبة الشذى، وشامة في المجتمع يُشار إليه بالبنان. بل يتمثل ما تمثل به شاعرنا الإسلامي حيث قال:
إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَومًا فَلا تَقُل ... خَلَوتُ وَلكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ
وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يَغفَلُ ساعَةً ... وَلا أَنَّ ما يَخفى عَلَيهِ يَغيبُ
فعَلى هَذه المَعاني من الإيمان؛ يَنْبَغِي أن يتكونَ الدّاعية ويُواجه بها صراع الحياة.
الصفة الثانية: الإخلاص:
والإخلاص في حقيقته قوة إيمانية، وصراع نفسي يدفع صاحبه بعد جذب وشد إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية، وأن يترفع من الغايات الذاتية، وأنْ يَقْصِدَ مِن عمله وجه الله -عز وجل- لا يَبْغِي من ورائه جزاء ولا شُكورًا، وإذا استمر المخلص على هذه الحالة من المجاهدة والتغلب على وساوس الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء؛ يصبح الإخلاص في أعماله كلها خلقًا وعادة، بل تصبح الأعمال التي تصدر عنه خالصة لله رب العالمين، دون أن يجد في ذلك أي تكلف أو مجاهدة، يقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين} (الزُّمَر: 2) ويقول سبحانه: {هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (غافر: 65) ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} (البيِّنة: 5) ويقول سبحانه: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف: 110).
والعمل الصالح هو ما وافق السنّة، والنّهيُ عن الشرك أمر بضده، وهو الإخلاص لله عز وجل، ومُوافقة السُّنة والإخْلَاصُ لله شرطان أساسان في قبول