ومما يزيد من حالة الخطيب إلى الذكاء بأنواعه الثلاثة كما ذكرنا هو: اشتغاله بأمور علمية ونظرية، وتعرضه لكثير من الأسئلة، وتوقع الناس منه أن يكون مصدرًا موثوقًا منه للإجابة على أسئلتهم، وأن يكون سريع البديهة، لبقًا في حديثه؛ كيسًا فطنًا، حذرًا، حسن التدبير يخاطب الناس على قدر عقولهم، ويدعو إلى ربه على أساس من الحكمة والبصيرة والعلم، امتثالًا لقول الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125).

وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِي لِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (يوسف: 108) ويتوقع المُجتمع منه بالإضافة إلى كل هذا أن يُساهم في إثراء الفكر، وبث الوعي، وتجديد الثقافة. وهو لا يستطيعُ أن يفوزَ بكل هذا بدون درجة عالية من الذكاء الفِطري والمُكتسب.

ومِمّا يَدُلّ على أهمية الناحية العقلية عند إعداد الخطيب: ما قاله أحدُ البَاحِثين: "إنّ الإيمان بالله ليس غريزة فطرية فحسب بل هو ضرورة عقلية كذلك، وبدون هذا الإيمان سيظل هذا السؤال الذي أثاره القرآن قلقًا حائرًا بغير جواب: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} (الطور: 35، 36)

وليس لهذا السؤال إلّا جَوابٌ واحد لا يَمْلِكُ الإنسان إذا ترك ونفسه إلّا أن يجيب به كما فعل المشركون أنفسهم: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيم} (الزُّخرُف: 9).

ولقد عَلّم القرآن الكريم الخطيب الداعية كيف يستدل على وجود الله عز وجل. وكيف أنه دعا العقل إلى التفكير والبحث والتأمل في الكون وكشف أسراره، قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَت * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَت * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَت} (الغاشية: 17 - 20)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015