وقال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون} (البقرة: 164).
ليس هذا فقط؛ بل إن القرآن الكريم كرر لفظة "الألباب" ست عشرة مرة، ولفظة "العقل" وما يشتق منها تسعًا وأربعين مرة، ولفظة "الفكر" وما يتعلق بها ثمانية عشر مرة.
يقول العقاد: "وفريضة التفكير في القرآن، تشمل العقل الإنساني بكل ما احتواه من هذه الوظائف، بجميع خصائصها ومدلولاتها؛ فهو يُخاطب العقل الوازع، والعقل المُدرك، والعقل الحكيم، والعقل الرّشيد، ولا يذكر العقل عرضًا مقتضبًا، بل يذكره مفصلًا على نحو لا نظير له في كتاب من كتب الأديان".
ويَزيدُ العَقّاد الأمر وضوحًا في قوله: "ولكنّ القرآنَ الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه".
أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يعمل على إعداد العقل وتنميته في الجيل المثالي، الذي رباه لحمل الرسالة الإسلامية إلى البشر، ومن ذلك: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يلقي بالسؤال على من حضر عنده، فينتبه الجميع إليه، ويُفكرون فيه ويشغلون عقولهم في الجواب، ثم بعد ذلك يُجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما سأل عنه؛ فتقع الإجابة في قلوبهم ولا ينسوها أبدًا.
روى البخاري في صحيحه، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنّ من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وأنها مثل المسلم؛ فحَدّثوني، فوقع الناس في شجر البوادي، قال ابن عمر: ووقع في نفسي أنها النّخلة؛ فاستحييتُ، ثم قالوا: حدثنا ما هي رسول الله؟ قال: هي النخلة)) فهذا اللون من التعليم النبوي يربي العقل وينميه.