فالخطابة من المواهب الفِطرية؛ فبَعْضُ النّاس يُخْلَقُ خَطيبًا بفطرته، وهذه الطبيعة توفر عليه جهدًا كبيرًا في حصوله على كمال هذه الصفة، ومن النّاس من يُحْسِنُ الكِتَابة وتشقيق الكلام؛ فيمَا يُعَبّر عنه من المعاني، ولكنه لا يحسن إلقاءه ولا مواجهة الناس به، ومنهم من يرتج عليه إذا وقف خطيبًا، وإذا تحدث في مجلس أجاد الحديث، ومنهم من لا يستطيع هذا ولا ذاك، وهذا النوع يتجنب الخطابة أصلًا، أما الآخرون فيحتاجون إلى تدريب وتكوين عام حتى يحسن الخطابة.
والشخص الموهوب أقوى وأقدر على أي حال، ولا يعني هذا أن الخطيب الموهوب يستغني عن مؤهلات الخطابة ومعرفة قواعدها وطرق إلقائها؛ فهناك أمور خاصة لا يكون الخطيب خطيبًا بغيرها، وليس الإلقاء الجيد كافيًا في جعل الخطبة ناجحة مقبولة؛ حتى تقترن به الصفات الأخرى الآتية.
ومما لا شك فيه أن الهِبةَ الطّبيعية تنميها المرانة، وتزكيها المزاولة مثل البِذْرَة الحَيّة التي تَنْبُت وتَزكُو إذا بذرت في تربة خصبة وجو صالح؛ فإذا كان الخطيبُ موهوبًا هذا الفن؛ فهو بإذن اللهِ يَصْعَدُ عاليًا لما آتاه الله من فضله، وأمّا إذا كان الخطيبُ مُكتسبًا لها غير موهوب؛ فإنه يجد نصيبًا ولكن البون شاسعًا بينه وبين الموهوب، إلّا إذا كان الجدُّ حليف المكتسب، والكسل والخمول ضجيع الموهوب؛ فإنّه لا محالة من السبق للمكتسب في الميدان.
ثانيًا: إعدادُ الخطيب الداعية عقليًّا:
لا شك أنّ الخطيب في أمس الحاجة إلى الإعداد العقلي، وأهم مظهر لذلك هو الذكاء العام أو الحكمة؛ معنى هذا أن يكون لديه الاستعداد لحُسن التّصرف حينما يُواجه بأي أمر من الأمور، خاصة الحرجة منها، والخَطيبُ النّاجح يحتاج إلى الذكاء بكل أنواعه، سواء أكان نظريًّا أو عمليًّا أو اجتماعيًّا، طالما أنه يتعامل مع مسائل وقضايا نظرية، ومع مواقف وأمور عملية حسية، ومع مواقف ومشكلات اجتماعية.