قِفِي قبلَ التفرُّقِ يا ضُباعَا ... ولا يَكُ موقفٌ مِنكِ الوَدَاعَا
هذا البيت: للقطامي، واسمه: عمير بن شييم.
وعمير اسم منقول؛ إن شئت جعلته تصغير عمرو، وهو القرط ويكون الحياة، ويكون طرف الكم، ويكون ما بين الأسنان من اللحم.
وإن شئت جعلته تصغير قولهم: رجل عمرو وهو الكثير الاعتمار، وإن شئت كان مصغراً مرخماً من عامر، أو عمار، أو معمر كزهير من أزهر.
وأما شييم بضم الشين وكسرها فمنقول من تصغير أشيم مرخم، وهو الذي به شامة.
والقطامى منقول من الصقر، لأن الصقر يقال له: قطامى، وقطامى بضم القاف وفتحها، وهو مشتق من القطم وهو شهوة اللحم، وشهوة النكاح، يقال: فحل قطم، إذا هاج للضراب، وهو لقب غلب عليه لقوله:
يَصُكّهنَّ جانباً فَجَانِبا ... صَلّ القطامِيُّ القَطَا القَواربا
والشاهد في البيت رفع الموقف وهو نكرة، ونصب الوداع وهو معرفة وسهل ذلك؛ لأن اسم كان وخبرها لشيء واحد، وأن قوله: منك في موضع رفع على الصفة لموقف، كأنه قال: موقف كائن منك، والنكرة إذا وصفت قويت بالصفة، وقربت من المعرفة، فلما قومت النكرة بالصفة، وكان تعريف الألف واللام ضعيفاً ليس له قوة غيره من التعريف صار الوداع وموقف كأنهما قد تكافآ.
وقد روى: ولا يك موقفي بالإضافة، وهذا لا نظر فيه.
وضباعة التي شبب بها هي: ضباعة بنت زفر بن الحارث الكلابي، وهو الذي مدحه بهذا الشعر، ولذلك قال بعد هذا البيت:
قفي فادى أسيرك إن قومي ... وقومَكِ لاَ أَرَى لَهمُ اْجتماعَا
وَكيفَ تجامع مع ما استَحَلاّ ... من الحُرَمِ العظامِ وما أَضاعَا
ألم أخبركِ أن حِبالَ قَيسٍ ... وتَغلبَ قد تَبايَنتْ انقطاعَا
ويقال: وداع بفتح الواو ووداع بكسرها، وكان الوداع بكسر الواو مصدر وادعت وداعاً، وكان الوداع بالفتح هو الاسم.
وأنشد في هذا الباب:
فلست لأنيّ ولكن لمِلْكٍ ... تنْزّل من جوّ السماء يصوب
هذا البيت لعلقمة بن عبدة، يروى له في آخر شعره الذي أوله:
طحا بك قلب في الحسانِ طَروب ... بُعيد الشباب عصرَ حَان مشيب
وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أنه لرجل من عبد القيس.
وعلقمة، وعبدة مفتوح الباء اسمان منقولان؛ أما علقمة فالواحدة من العلقم، ويقال: طعام فيه علقمة، أي مرارة.
وأما العبدة فصلاءة الطيب، والعبدة أيضاً: أجمة الأسد، والعبدة الأنفة، يقال: عبد من الشيء يعبد عبداً وعبدة إذا أنف منه.
واللام في قوله لإنسىٍ متعلقة بمحذوف، وكذلك في قوله: لملك، وكلاهما له موضع من الإعراب؛ لأن اللام الأولى وقعت موقع خبر ليس فهي متعلقة بالخبر الذي نابت منابه، أي فلست ابناً لأنسى واللام الثانية التي في لملكٍ وقعت موقع خبر مبتدأ كأنه قال: ولكن أنت للملك.
وقوله: تنزل من جو ... جملة في موضع الصفة لملك ويصوب جملة في موضع الحال من الضمير في تنزل، ويجوز أن تكون في موضع صفة ثانية لملك، ومعنى يصوب: يقصد إلى الأرض.
وأراد لملأكٍ فجاء به على الأصل، لأن ملكاً تخفيف ملأك، نقلت حركة همزته إلى لامه، كما قالوا في يسأل: يسل، وشمل، في شمال، قال الشاعر:
ثَوَى مَالِكٌ بِديارِ العدوّ ... تُسْفِيَ عليهِ رِيَاحُ الشَّمَل
واختلف في وزن ملأك؛ فقال أكثر أهل التصريف وزنه: معفل مقلوب من مألك، واستدلوا على ذلك بقول العرب: ألك، إذا أرسل، وقولهم للرسالة: ألوكٍ وألوكة، قال لبيد:
وغلام أرسلتْه أُمُّهُ ... بألوكٍ فبذلنا مَا سَأَل
وأنشد أبو بكر ابن دريد:
فَمَن مُبلغٌ فِتيانَ قَومِي أَلوكَةً ... تأتي من أقيال من كان كافرا
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: وزنه مفعل وهو مشتق من لأك إذا أرسل، فلا قلب فيه على هذا.
وقد يمكن أن يكون لأك مقلوباً من ألك، وقد كان ابن كيسان يزعم أن ملكاً مشتق من ملك يملك، وأن الهمزة في ملأك زائدة كزيادتها في شمأل.
فوزن ملائكة على قول من جعله مقلوبا: معافلة، مقلوباً من مآلكة ووزنها على قول أبي عبيد: مفاعلة، غير مقلوبة.
ووزنها على قول ابن كيسان: فعائلة وأنشد أبو القاسم في هذا الباب: