إذا كانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئَوني ... فَإنَّ الشَّيْخَ يَهْدِمُه الشِّتاءُ

هذا البيت للربيع ضبع الفزاري، وقد ذكرناه فيما تقدم، وهذا البيت من شعر يمدح فيه بنيه وكنانته، ويذكر برهم له، وهو قوله:

أَلاَ أَبِلغْ بَنِيَّ بَنِي رَبِيعٍ ... فَأَنذَالُ البَنِينِ لَكمْ فِدَاءُ

بِأنِّي قد كَبِرْت ورَقَّ جِلدِي ... فَلاَ شَغَلتْكم عَنِّي النِّساءُ

وإنَّ كَنائِتي نساءُ صِدْقٍ ... وَمَا أَلَّى بَنِيَّ وَلاَ أَساءُوا

إذَا كانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي ... فَإنَّ الشَّيخَ يَهدِمِهُ الشِّتاءُ

وأَمَّا حِينَ يَذْهبُ كلُّ قَرٍّ ... فَسِربَالٌ رَقيقٌ أوْ رِدَاءُ

إذَا عَاشَ الفتَى مَائتينِ عَاماً ... فَقد ذَهَبَ المسرَّةُ والفَتَاءُ

الأنذال الخساس، واحدهم نذل، ومعنى أللى: قصر في برئ يقال: ألا ألواً، فإذا كثرت الفعل قلت أللى يؤلى تأليةً، قال زهير:

سَعى بَعدهم قومٌ لكَي يُدركوهمفَلم يَفعلوا ولم يُليموا ولَمْ يَأْلواً والقر: البرد، والفتى مقصور: واحد الفتيان، والفتاء ممدود: فتوة السن، يقال: فتى بين الفتوة، ويروى المروءة، واللذاذة.

والتخيل: التكبر، وعجب المرء بنفسه.

ويروى: يهرمه.

وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:

فَكيفَ إذا مَرَرْتَ بِدَارِ قوْمٍ ... وَجيرَانٍ لَناَ كانُوا كَرَامِ

هذا البيت: للفرزدق، واسمه همام بن غالب، وقال ابن قتيبة: هميم بن غالب، ويكنى أبا فراس.

واختلف كلام ابن قتيبة في تلقيبه بالفرزدق: فقال في أدب الكتاب: الفرزدق: قطع العجين، واحدها فرزدقة، وهو لقب له؛ لأنه كان جهم الوجه.! وقال في كتاب طبقات الشعراء: إنما لقب بالفرزذق لغلظه وقصره، شبه بالفتيتة التي تشربها النساء، وهي الفرزدقة.

والقول الأول أصح؛ لأنه كان أصابه جدري في وجهه، ثم برئ منه، فبقى وجهه جهماً مبغضاً.

ويروى أن رجلاً قال له: يا أبا فراس، كأن وجهك أحراح مجموعة.! فقال: تأمل، هل ترى فيه حرح أمك؟! وهذا البيت من قصيدة يمدح بها: سليمان بن عبد الملك بن مروان، ويهجو جرير بن الخطفي.

وقيل هذا البيت:

هل أَنْتُم عَائِجُونَ بِنَا لَعَناًّ ... نَرَى العَرَصات أَو أَثَرَ الخِيامِ

أُكَفْكِفُ عبرة العينين مِنِّي ... وما بعدَ المَدَامِعِ مِنْ مَلاَمِ

لعنا: لغة في لعلنا، يقال: لعلك، ولغنك - بغين معجمة ونون - ولأنك، ورعنك، وعلك، وأنك، ولو أنك كل ذلك بمعنى واحد.

ويروى: أنه أنشد سليمان هذه القصيدة، فلما بلغ إلى قوله فيها:

ثَلاثٌ واثنتان فَهُنَّ خَمْس ... وَسادِسةٌ تميل إلى شِمامِي

دُفِعْنَ إلي لم يَطمثهنّ قبلي ... وهنَّ أَصحَّ من بيض النَّعاَمِ

فَبِتْنَ بِجانِبِيَّ مَصرَّعاتٍ ... وبتُّ أَفضُّ أَغلاَقَ الخِتاَمِ

كأَنّ مَغالِقَ الرَّمان فيه ... وَجمرَ غضًى قَعدْن عليه حَامِ

قال سليمان: أقررت عندي بالزنا وأنا إمام، ولابد من إقامة الحد عليك.! فقال الفرزدق: ومن أين أوجبته علي يا أمير المؤمنين؟ فقال: يقول الله عز وجل: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ".

فقال الفرزدق: إن كتاب الله عز وجل يدرأ عني الحد، يقول الله تبارك وتعالى: " والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون " وإنما قلت ما لم أفعل! فتبسم سليمان، وقال: أولى لك.!! وسلك أبو القاسم في بيت الفرزدق مسلك الخليل وسيبويه، فجعل كان فيه زائدة.

وكان أبو العباس المبرد يرد ذلك، ويقول: الواو في كانوا اسم كان، ولنا خبرها، كأنه قال: وجيران كرام كانوا لنا.

وتابع أبا العباس على ذلك جماعة من النحويين، وقالوا: كيف تلغ كان في هذا البيت، والضمير قد اتصل بها؟! وهذا الذي قالوه لا يلزم؛ لأن ظننت تلغى عن العمل مع اتصال الضمير بها في نحو قولك: زبد منطلق ظننت.

وقد ذكرنا في الكتاب الأول ما احتج به أبو علي الفارسي وابن جنى للخليل، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015