وقوله: غرض الردى: منصوب على الحال، وإن كان مضافاً إلى المعرفة، لأن معناه كمعنى الصفة، أي مقصود الردى، وإضافته مقدرة بالانفصال، كأنه قال: غرضاً للردى، أي مقصوداً له.
وقوله: إذا زار عن شحط بلادك سلما: يحتمل أن يكون بدلا من غرض الردى، فيكون للجملة موضع من الإعراب، ويحتمل أن يكون بدلا من الهاء في غادرته، فلا يكون للجملة موضع، كما أن الصفة لا موضع لها.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
كأنَّ سَبَيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يكون مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءٌ
هذا البيت: لحسان بن ثابت، بن المنذر، بن حرام الأنصاري، ويكنى: أبا الوليد.
واسمه مرتجل، غير منقول، ولكنه مشتق من الحسن، فيكون وزنه: فعالاً مصروفاً.
ويجوز أن يكون مشتقاً من الحس، فيكون وزنه: فعلان، غير مصروف؛ للزيادة التي في آخره، والمعرفة.
والأقيس فيه: ألا يصرف، لأن حسان لم يصرف اسمه في قوله:
ما هاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المقامِ ... ومظعنُ الحيِّ ومَبنَى الخيامِ
وأما ثابت، والمنذر، وحرام فأسماء منقولة غير مرتجلة. فثابت، والمنذر: وصف من الأسماء المنقولة عن الصفات: وأما حرام: فيجوز أن يكون منقولاً من قولهم: رجل حرام، أي محرم، فيكون من الأسماء المنقولة عن الصفات، ويجوز أن يكون منقولا من الحرام الذي هو ضد الحلال، فيكون منقولا إلى الأسماء عن الصفات، على أنه قد وصف به، فيكون قد قيل: شيء حرام، والحرام أيضاً: اسم للنمل.
والسبيئة: الخمر المشتراة، يقال: سبأت الخمر بالهمز إذا اشتريتها، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، قال ابن هرمة:
غالية قَرْقَفٌ معتّقة ... يغلُو بأيدي التجار مَسبؤها
وأراد بالرأس: رئيس الخمارين، وخصه بالذكر لأن خمره أعتق من خمر غيره.
وقال أبو العباس المبرد: بيت رأس موضع.
ويروى: كأن سلافةً، والسلافة: أول ما يسيل من الخمر، وقيل: هي ما يسيل من العنب من غير عصر، ويدل على هذا قول الشاعر:
من عَتِيق الكُرُومِ جاءتْ سُلاَفاً ... لم يطأْها برجله العَّصار
أراد: جاءت العصار سلافاً لم يطأها برجله.! وفي قوله: يكون مزاجها عسل وماء أربعة أقوال: قيل: هو على وجه الضرورة، وعلى ذلك أنشده سيبويه.
وقيل: أراد مزاجاً لها، فأراد بالإضافة الانفصال فأخبر فيه بنكرة عن نكرة.
وقيل: نصب مزاجها على الظرف الساد مسد الخبر، لا على الخبر نفسه، كأنه قال: يكون مستقراً في مزاجها.
وقيل: إنما جاز ذلك؛ لأن العسل والماء نوعان، والأنواع تشبه النكرات، وقولك: أكلت العسل، وأكلت عسلاً، وشربت الماء، وشربت ماءً سواء؛ لأنه قد علم أنك لم تأكل جميع نوع العسل، ولم تشرب جميع نوع الماء.
وإنما كان كذلك؛ لأن الأنواع والأجناس ليس لأجزائيهما أسماء تخصها من حيث هي أجزاء، وإنما يعبر عن كل جزء من الجنس باسم الجنس وعن كل جزء من النوع باسم النوع يقال لكل جزء من الماء: ماء، ولكل جزء من العسل: عسل.
وكان أبو عثمان المازني يروي: يكون مزاجها بالرفع ويجعله اسم كان وينصب عسلاً خبرها، ويرفع ماء بفعل مضمر دل عليه المزاج كأنه قال: ومازجها ماء.
وقوله: من بيت في موضع نصب على الصفة لسبيئة، ويكون مزاجها في موضع الصفة لها أيضاً، كأنه قال: سبيئة مشتراةً من بيت رأس كائناً مزاجها عسل وماء، وأما خبر كأن الذي وقع عليه التشبه فهو في بيتٍ آخر بعد هذا وهو قوله:
على أنيابها أو طَعمَ غَضِّ ... من التُّفاح هَصَّره الجَناءُ
وقد جرت عادة النحويين أن يجعلوا كأن للتشيبه حيث وقعت وليس ذلك بصحيح، وإنما يكون تشبيهاً محضاً إذا وقع في الخبر اسم يمثل به اسمها، ويكون الخبر أرفع من الاسم، أو أحط منه كقولك: كأن زيداً ملك، أو كأن زيداً حمار.
وأما إذا كان خبرها فعلاً، أو ظرفاً، أو مجروراً، أو صفة من صفات أسمائها، فإنها يدخلها حينئذ معنى الظن والحسبان، كقولك: كأن زيداً قائم، أو كأن زيداً في الدار، فلست تشبه زيداً بشيء هاهنا، إنما تظن أنه قائم وأنه في الدار، وكذلك قول الشاعر:
وداوَيتُها حتَّى شَقتْ حَبشية ... كأن عليها سندساً وسُدُوساً
ولها أيضاً معانٍ أخر ليس هذا موضع ذكرها.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب: