وأَمَّا حينَ يذهب كلُّ قَرٍّ ... فسِرْ بالٌ رقيق أو رداءُ
وهذا نحو قول العرب في أمثالها: قد كنت وما أخشى الذئب، وكنت وما يقاد بي البعير.!! وظاهر قول الربيع مخالف لقول بعض المعمرين:
أعَارَ أبو زيد يمنى سلاحَه ... وبَعْضُ سِلاَح الدَّهر للِمرء كالمُ
وكنْتُ إذا ما أَنْكر الكلب أهله ... أُخَتَّا، وحين الكلب يقظان نائم
لأن الربيع نفى عن نفسه حمل السلاح لكبر سنه، وهذا الثاني يصف أنه كبر، فصار يحمل سلاح أبي زيد! وأراد الربيع: أنه لا يقدر على حمل السلاح إلى الحرب! وأما سلاح أبي زيد الذي وصف هذا أنه يحمله فهو: العصا الذي يتوكأ عليها الشيخ، وأبو زيد: كنية الدهر، ويكنى أيضاً: أبا سعد، ويقال: إن أبا سعد كنية الهرم، وهذا المعنى هو الذي أراده الإصبع العدواني بقوله: أما ترى شكتي: رمح أبي سعد فقد أحمل السلاح معاً وروت الرواة: أن الربيع بن ضبع هذا عاش حتى أدرك الإسلام، وأنه قدم الشام على معاوية بن أبي سفيان، ومعه حفيد له، فدخل حفيده على معاوية، فقال معاوية له: أقعد يا شيخ! فقال: وكيف يقعد من جده بالباب؟! فقال معاوية: لملك من ولد الربيع بن ضبع؟ فقال: أجل، فأمره بالدخول، فلما دخل سأله معاوية عن سنه؟ فقال:
أَقفرُ مِنْ مية الجريبُ إلى الزْ ... زُجَّين إلاّ الظباء والبقرَا
كأنها دُرَّةٌ مُنَعَّمةٌ ... من نِسْوةٍ كُنَّ قَبْلها دُرَرا
أصبح مِنِّي الشبابُ مبتكرا ... إنْ يَنْأ عنِّي فقدْ ثَوىَ عُصُرَا
فارقنا قبل أنْ نفارقه ... لمَّا قضى مِنْ جِماعنا وطرا
هأنذا أملُّ الحياةَ وقدْ ... أدركَ سنِّي ومَوْلِدي حُجرا
أَبَا امْرِئ القيس هل سمعت به ... هيْهات هيهات طال ذا عُمسُر
أَصحْبْتُ لا أَحمْلُ السلاحَ وَلا ... أَمْهلكُ رأسَ البَعير إنْ نَفرَا
والذِّئْبَ أخشاه إنْ مررتُ به ... وحدي وأخْشى الرِّياح والمطرا
مِنْ بعد ما قُوَّةٍ أُسَرُّ بها ... أصْبحتُ شَيْخاً أُعالج الكِبرَا
فقرأ معاوية رحمه الله: " ومن نعمره ننكسه في الخلق " وأنشد أبو القاسم: في باب الحروف التي ترفع الأسم وتنصب الخبر:
فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ ... ولكنَّهُ بنْيانُ قَوْمٍ تَهَدَّماً
هذا البيت: لعبدة بن الطيب، وهو من بني عبد شمس ابن كعب بن سعد بن زيد مناة من تميم.
وعبدة: تأنيث عبد، وهو منقول من الصفات الجارية مجرى الأسماء.
والطبيب: الحاذق بالأشياء، الماهر بها، وفيه قال علقمة ابن عبدة:
فإنْ تسْألوني بالنِّساءِ فإِّننِي ... بَصيرٌ بأدْواءِ النِّساءِ طبيبٌ
وعبدة هذا، ساكن الباء، وأما عبده أبو علقمة، فهو متحرك الباء، وقد قيد هذا عبدة بن الطبيب بقوله في نفسه:
يتباشرون بأن عَبْدة مقبل ... كلاّ وَمنْ جَمعَ الحجيج إلى منى
وهذا البيت: من شعر رثي به قيس بن عاصم المنقري، سيد بني منقر، وقبله:
عَليْكَ سلامُ اللهِ قَيْسَ بْن عَاصِم ... ورحْمتُه ما شَاء أنْ يَتَّرَحما
تَحيَّةَ من غادَرتْه غَرَضَ الرَّدى ... إذَا زَارَ عَنْ شَحط بِلادكَ سلّما
والهاء في قوله: ولكنه: تعود على الهلك، والمعنى: ولكن هلكه انهدام بنيان قوم تهدما، أي انهدم بيت عزهم وبنيان ههنا: مصدر استعمل استعمال الأسماء، وأراد به المبنى نفسه، لأن البنيان الذي يراد به المصدر، لا يوصف بالانهدام، وفي الحديث: من هدم بنيان الله فهو ملعون.
أي: قتل نفساً مسلمة لم تستوجب القتل.
وقوله: ما شاء أن يترحما، تقدر ما ههنا مع الفعل بتأويل المصدر، والمصدر ناب مناب ظرف، كأنه قال: مشيئة الترحم ومعناه: مدة مشيئته، وهو سبحانه يشاء برحمته من رحم أبداً.
وتحية: مصدر مؤكد، لأن قوله: عليك سلام الله قد أفاد معنى التحتية، فهو بمنزلة قوله تعالى: " كتاب الله عليكم "، وكقول زهير:
تَعلَّمنْ ها لَعمرُ اللهِ ذا قَسماً ... فاقدِرْ بِذَرْعِكَ وانظر أينَ تَنسلك