ومنها: أن العرب قد تأتي بالإسمين ومعناهما واحد، كقول الشاعر:
أَلاَ حَبَّذَا هند، وأرض بها هندٌ ... وهند أَتَى مِنْ دونها النأي والبعدُ
والنأي: هو البعد بعينه.
ومنها: أن العرب أكثر ما تستعمل النشب في الأشياء الثابتة التي لا براح لها، كالدور والضياع، وأكثر ما يوقعون المال على ما لبس بثابت كالدنانير والدراهم والحيوان، وربما أوقعوا المال على جميع ما يملكه الإنسان، وهو الصحيح، لقوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " وهذا لا يخص شيئاً دون شيء.
وبعد هذا البيت:
فاتْرُكْ خلائقَ قوم لا خَلاَق لهم ... واعمد لأخلاق أهل الفضل والأدب
قد نِلتَ مَجْداً فحاذر أنْ تدنِّسهُ ... أبٌ كريم وجدٌّ غيرُ مُؤْتَشب
المؤتشب: الذي نسبه غير خالص، يقال: أشب البيت وائتشب إذا اشتبك.
وأنشد أبو القاسم، في باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره:
أَصْبحتُ لا أَحمِلُ السِّلاَحَ ولاَ ... أَملكُ رَأَسَ البعيرِ إِنْ نَفرَا
والذِّئبُ أَخشاهُ إنْ مررْتُ بِهِ ... وَحدِي وأَخشى الرِّياحَ والمطرَا
هذان البيتان: للربيع بن ضبع الفزاري من بني فزارة وهو من المعمرين، وهو القائل:
إذا عاش الفتى مائتينِ عاماً ... فقد ذهبَ المسرَّة والفتاء
والربيع، وضبع وفزارة: من الأسماء المنقولة عن الأجناس والأنواع إلى العلمية.
أما الربيع: فيكون الفصل المعروف، من فصول السنة، والربيع: المطر، والربيع العشب النابت عنه، والربيع السافية تكون بين الكلأ.
والضبع: صنف من السباع، يقال للأنثى منه: ضبع، وللذكر: ضبعان، والضبع: السنة المجدبة، شبهت بالضبع، وفي الحديث: أن رجلا قال: يا رسول الله، أكلتنا الضبع.
وقال العباس بن مرداس:
أبَا خُراشةَ أَمَّا أَنتَ ذا نَفرٍ ... فإن قوْمي لَم تأكلهمُ الضبع
وأما الفزَارَةَ: فهي الأنثى من النمر، والهدبس: الذكر منها، والفزر: ولدها إن كان ذكراً، والفزرة: الأنثى، قال الشاعر:
ولقد رأيتُ فزارةً وهَدَبَّساً ... والفِزْرُ يَتبع فزره كالضَّيون
وقوله: لا أحمل السلاح، ولا أملك.... جملتان في موضع نصب على خبر أصبح إن جعلتها ناقصة، أو في موضع الحال إن جعلتها التامة، المستغنية عن الحبر، كأنه قال: أصبحت غير حامل السلاح، ولا مالك رأس البعير أن يفر مني.! ويجوز في الذئب الرفع والنصب؛ فالرفع على الابتداء، والنصب بإضمار فعل؛ كأنه قال: وأخشى الذئب أخشاه، والاختيار النصب؛ لأن البيت الذي قبله مصدر بفعل، فيختار أن يضمر للذئب فعل، ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل، طلباً لتشاكل الألفاظ.
ويجوز أن تكون هذه الجملة معطوفة على الجملة الكبرى، وهي: أصبحت لا أحمل ...
ويجوز أن تكون هذه الجملة معطوفة على الجملة الصغرى وهي: لا أحمل السلاح.
والجملة الكبرى: هي كل جملة لا موضع لها من الإعراب.
والجملة الصغرى. هي كل جملة لها موضع من الأعراب.
لأن كل جملة يقدر في موضعها المفرد فلها موضع من الإعراب، وكل جملة لا يقدر في محلها المفرد فلا محل لها من الإعراب، والكبرى كقولك: زيد أبوه منطلق، فهذه الجملة كلها تسمى: كبرى، وأما قولك: أبوه منطلق، فتسمى: صغرى؛ لأنها في موضع خبر المبتدأ، وهي جزء من الجملة الكبرى.
وقد تكون الجملة صغرى وكبرى، على وجهين مختلفين؛ كقولك: زيد أبوه غلامه منطلق، فهذه الجملة كبرى، وقولك: غلامه منطلق صغرى؛ لأنها خبر عن الأب، وقولك: أبوه غلامه منطلق صغرى بالإضافة إلى زيد، وكبرى بالإضافة إلى الغلام.
وقوله: وحدي: في موضع نصب على الحال، كأنه قال: إن مررت به متوحداً.
وقوله: إن نفرا، وإن مررت به: شرطان لم يأت بعدهما جواب لهما؛ لأن ما قبلهما من الكلام قد سد مسد الجواب، فهو بمنزلة قولك: أنا أشكرك إن أحسنت إلي.
ومعنى الشعر: أنه لشدة كبره قد ضعفت قواه عن حمل السلاح إلى الحرب، وصار في حال لا يقدر على تصريف البعير إذا ركبه، ويخاف الذئب أن يعدو عليه، ويتأذى بالريح إذا هبت، والأمطار إذا نزلت، وهذا نظير قوله في شعر آخر:
إذا كانَ الشِّتَاءُ فادفئوني ... فإنَّ الشيخ يَهْدمه الشتاءُ