الخطاب -رضي الله عنه- ومن بعده من الخلفاء الراشدين؛ حيث استحدثت بعض الدواوين، ونظمت شئون الحكم للمقاطعات والولايات في الدولة الإسلامية، وجُعل على رأس كل ولاية أو مقاطعة أمير ينوب عن الخليفة في كثير من شئون الحكم والإدارة، إلا أنه فيما يتعلق بالحسبة ظل الأمير يسير على النمط نفسه الذي كانت تسير عليه الحسبة في عهده -صلى الله عليه وسل م- فلم تنشأ لها ولاية تتولى إدارة شئون الحسبة، وتأخذ الاسم نفسه الذي عُرفت به فيما بعد؛ بل كان يسمى من يقوم بعملية الاحتساب بين الناس، لا سيما إذا كان مكلفًا من قبل الخليفة كان يسمى عاملًا؛ سواء كانت حسبته في السوق أو في مراقبة مسائل اجتماعية أخرى تستدعي الاحتساب.

الحسبة في عهد الخليفة أبي بكر -رضي الله عنه-

وها نحن نضرب بعض الأمثلة لعهد كل خليفة على حدة ليتبين لنا كيف كانت الحسبة في عهدهم -رضوان الله عليهم أجمعين.

الحسبة في عهد أبي بكر -رضي الله عنه-:

فعلى الرغم من قصر فترة خلافته إلا أن ما قام به في هذه الفترة القصير عمل عظيم يُسجل له في الخالدين، الذين حفظوا للإسلام عزه وسؤدده وانتشاره، وكان في رأس كل أعماله موقفه الصلب القوي في حروب الردة؛ إذ جعل منه أعظم المحتسبين في التاريخ الإسلامي، فلولا توفيق الله أولًا، ثم ذلك الموقف الذي لم يرضخ فيه لبعض آراء الصحابة بألا يقاتل المرتدين؛ لما قامت للإسلام بعد ذلك قائمة، وكانت تلك الردة بداية سوسة تنخر في عظم الأمة حتى تقضي على دينها، ولكن لقوته -رضي الله عنه- في الحق وقف وقفة مشهورة في وجه تيار الهجمة وحاربهم، وألزمهم الحق بالقوة، وقال قولته المشهورة: "والله لو منعوني عناق بعير كان يؤدونه لرسول الله -صلى الله عليه وسل م- لقاتلتهم على منعه".

ولقد كان ظهور فتنة الارتداد على ثلاث صور:

الأولى: الامتناع عن أداء الزكاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015