احتسابها في أمر يخص النساء، وأعتقد أن هذا تكلف لا يسنده دليل يقيد حسبتها في ذلك، ولا ينافي هذا اشتراط الذكورة في المحتسب؛ لأن إثبات هذا العمل في المصادر القديمة لتلك المرأة هو بحكم النادر، والنادر لا حكم له كما هو معروف.
ولفظ المحتسب لم يكن شائعًا ولا معروفًا في عهده صلى الله عليه وسل م، ولا في عهد الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم، ومما تجدر الإشارة إليه أن لفظ العامل على السوق أو صاحب السوق: هو اللقب الذي كان يطلق على من يتولى الإشراف على السوق، ومراقبة المكاييل والموازين طيلة عصر الرسول صلى الله عليه وسل م، ابتداء من هجرته إلى المدينة، وكذلك طوال فترة حكم الخلفاء الراشدين، وفي العصر الأموي، وبالأحرى في أوله، وفي آخر العصر الأموي وأول العصر العباسي بدأ ظهور لفظ المحتسب، وقد شاع بعد ذلك استعمال هذا اللفظ في العصر العباسي، وأنشأت ولاية تدير علمه سميت باسم ولاية الحسبة.
وبهذا نصل إلى القول بأن الحسبة في عهده -صلى الله عليه وسل م- كانت عملًا فرديًّا تطوعيًّا، ولم تعرف باسم الحسبة، ولم يسمَّ من يقوم بها محتسبًا، وإنما يُسمى العامل على السوق، أو صاحب السوق. ولفظ المحتسب والحسبة عرف فيما بعد الصدر الأول من تاريخ الأمة الإسلامية.
أما الحسبة في عهد الخلفاء الراشدين، فنقول: إن عهد الخلفاء الراشدين هو امتداد للعهد النبوي في كثير من جوانب الحكم والإدارة، فالعهدان معًا هما ما اصطلح على تسميته عند كثير من أهل العلم والتاريخ بالصدر الأول من التاريخ الإسلامي، وعهد الخلفاء الراشدين، وإن وجد فيه بعض التطوير والتغيير لنظم الإدارة في جوانب أخرى؛ لا سيما في منتصف خلافة عمر بن