قال -رحمه الله-: "فتدبر هذا فإن هذا مقام خطر، فإن الناس هنا ثلاثة أقسام: قسم يأمرون وينهون ويقاتلون طلبًا لإزالة الفتنة التي زعموا، ويكون فعلهم ذلك أعظم فتنة كالمقتتلين في الفتنة الواقعة بين الأمة، وأقوام ينكلون عن الأمر والنهي، والقتال الذي يكون به الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا؛ لئلا يفتنوا، وهم قد سقطوا في الفتنة، وهذه الفتنة المذكورة في سورة براءة دخل فيها الافتتان بالسور الجميلة، فإنها سبب نزول الآية.
وهذه حال كثير من المتدين يتركون ما يجب عليهم من أمر ونهي وجهاد يكون به الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا؛ لئلا يفتنوا بجنس الشهوات، وهم قد وقعوا في الفتنة التي هي أعظم مما زعموا أنهم فروا منها، وإنما الواجب عليهم القيام بالواجب، وترك المحظور وهما متلازمان، وإنما تركوا ذلك لكون نفوسهم لا تطاوعهم إلا على فعلهما جميعًا أو تركهما جميعًا مثل كثير ممن يحب الرئاسة أو المال وشهوات الغير، فإنه إذا فعل ما وجب عليه من أمر ونهي وجهاد، وإمارة ونحو ذلك، فلا بد أن يفعل شيئًا من المحظورات، فالواجب عليه أن ينظر أغلب الأمرين، فإن كان المأمور أعظم أجرًا من ترك ذلك المحظور لم يترك ذلك لما يخاف أن يقترن به ما هو دونه في المفسدة، وإن كان ترك المحظور أعظم أجرًا لم يفوت ذلك برجاء ثواب فعل واجب يكون دون ذلك، فذلك يكون بما يجتمع له من الأمرين من الحسنات والسيئات.
وتفصيل هذا يطول.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.