وهذا من أظهر ما يكون من أمر الاهتمام بالحسبة في عهده صلى الله عليه وسل م، فاختيار الولاة الصالحين وأمرهم بتطبيق تعاليم الإسلام فيمن يولون عليهم هو عين الحسبة التي يقيمون به مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بين من وُلُّوا أمرهم، ثم كان -صلى الله عليه وسل م- لا يكتفي بأن يرسل الوالي دون محاسبة وتعقيب على ما يقوم به؛ فقد قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد كان النبي -صلى الله عليه وسل م- يستوفي الحاسب على العمال، يحاسبهم على المستخرج والمصروف.

كما في الصحيحين عن أبي حميد السعيدي -رضي الله عنه-: ((أن النبي -صلى الله عليه وسل م- ولى رجلًا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقات، فلما رجع حاسبه، فقال: هذا لكم وهذا أه دي إليَّ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله، فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليه، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا، والذي نفسي بيده لا نستعمل رجلًا على العمل مما ولانا الله فيغلُّ منه شيئًا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رغاء، وإن كانت بقرة لها خوار، وإن كانت شاة تيعر، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت))، قالها مرتين أو ثلاثة.

وممن كان يتولى الحسبة من النساء في عهده -صلى الله عليه وسل م- وأقرها على ذلك سمراء بنت نهيك الأسدية، فقد ذكر ابن عبد البر أنها أدركت رسول الله -صلى الله عليه وسل م- وعمر، وكانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس -أي: الغشاشين منهم- بسوط كان معها.

ولم تكن كذلك لتحاسب وتعاقب إلا عن أمر ممن له الأمر في ذلك الحين، وهو الرسول -صلى الله عليه وسل م، وهذا النص فيه إطلاق، أي: الذي يشير إلى تولي تلك المرأة الحسبة في السوق، وعلى ذلك فلا أرى تقييده بما قيده غير واحد بأنه قد يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015