الحق بما رآه قال: ((اسق أنت يا زبير، ثم الأنصاري)). فقال الأنصاري: إنه لابن عمتك يا رسول الله، يعني من أجل ذلك حكمت له، فغضب -صلى الله عليه وسلم- من قوله وقال: ((يا زُبَير أجره -يعني: الماء- حتى يرجع إلى الجدار، ثم أرسل الماء إلى جارك)).
فقال: واستوعب -أي: استوعى- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزُّبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه، أي: أغضبه الأنصاري، وكان قد أشار عليهما قبل ذلك بأمر كان لهما فيهما سعة.
قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك يعني قول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65) يقول الراوي: هو عروة بن الزبير، نظرت في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((ثم احبِس الماء حتى يرجع إلى الجدار؛ فكان ذلك إلى الكعبين)).
وعلى مِثْلِ ما كان عليه رَدُّ المَظَالِم في عهده -صلى الله عليه وسلم- كان في عهد الخُلَفاء الراشدين، وظلت تتطور في عهد الخلفاء الراشدين إلى عهد الأمويين، عندها انتشر الظلم من بعض الناس لبعضهم، وغُمطت بعض الحقوق؛ حَتّى أصْبَح ذلك شبه مُعلن بين الناس، ولم تكن تكفيهم زواجر العظة والتمانع والتجاذب؛ عندها اقتضى الأمر قيام من يرد الحقوق، وينصف المغلوب ممن يتمتع بقوة السلطنة وهيبة القضاء ونصفته.
فكان أول من أفرد للظلامات يومًا يتصفح فيه قصص المتظلمين، من غير مباشرة للنظر عبد الملك بن مروان؛ فكان إذا وقف منها على مُشكل، أو احتاج فيها إلى حُكم منفذ، رَدّه إلى قاضيه أبي إدريس الأودي فنظر فيه، فكان أبو إدريس هو المباشر، وعبد الملك هو الآمر.