ضمن النظم في الدولة الإسلامية مؤسسة دينية قضائية، ذات شأن خطير كما تُعَبِّرُ عنه كلمة مظالم، وتُبلور فيها وبشكل قوي معنى المكافحة؛ لأنها تتصدى بصفة خاصة لمقاومة ما يُمارس من الانحراف على صعيد رجال السلطة في الدولة من ذوي الجاه والحسب، وعلى المستويات العالية في إدارة الدولة.
وهي من حيث المبدأ عريقة في التاريخ يقول الماوردي: "كان ملوك الفُرسِ يرونها من قواعد الملك، وقوانين العدل، الذي لا يعم الصلاح إلا بمراعاته، ولا يتم التناصف إلا بمباشرته، وكانت قُريش في الجَاهِليّة حينَ كَثُر فيهم الزُّعماء، وانتشرت فيهم الرياسة، وشاهدوا من التَّجَاذُب والتَّغَالُب ما لم يكفهم عنه سلطان قاهر، عقدوا حلفًا على رد المظالم، وإنصاف المظلوم من الظالم؛ سُمّي ذَلك الحلف حلف الفضول، وقد حَضَره الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن خمس وعشرين سنة قبل النبوة وقال فيه: ((لَقدْ شَهِدَّتُ في دارِ عبد الله بن جدعان حلف الفضول، ما لو دُعيت إليه لأجبت، وما أُحِبُّ أن لي به حمر النعم)).
وفي الإسلام قامت ولاية المظالم لا بشكلها ونظامها الذي عرف فيما بعد، ولكن بما يُناسب الأحوال والظروف في عهده -صلى الله عليه وسلم- حيث لا ظُلم ولا تَظالم إلا في أندر الأحوال.
وكانت في عهده -صلى الله عليه وسلم- في صورة عمل قضائي من نوع فريد، تجري ممارستها بالعدل، ولا يتميز كيانها بالزمان ولا بالمكان، ولا تتقيد بحدود القضاء العادي، ولا بمَسْطَرته.
ولَعَلّ من أبرز تلك المظالم التي فصل فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الحادثة التي وقعت بين الزبير بن العوام وأحد الأنصار في سقاة بينهما؛ حيث اشتكى وتَظلم الأنصاري من حبس الزبير الماء عن مزرعته؛ فلما وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المكان، وقدّر