وكان القضاء في عهد الخلفاء الراشدين مستقلًّا، مُحترم الجانب، وقد عَمَد الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُون إلى الاستشارة فيما يعرض عليه من خصومات، بعد أن يَعْرِضُوا ذلك على كتاب الله، وسُنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يجدوا شيئًا سألوا المسلمين: هل قضى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشيء من هذا؟ فإن أعيى الخليفة ذلك، استشار رءوس الناس وخيارهم، فإن أجمع رأيهم على شيء قضى به، وكُلُّ خَلِيفَةٍ يَنْظُر إلى قضاء من قبله، بعد أن يبحث عن ذلك في كتاب الله وسُنّة رسوله وقضائه -صلى الله عليه وسلم- وعلى هذا سار القضاء في عهدهم -رضوان الله عليهم أجمعين.
أما القضاء في العهد الأموي؛ فقد اتسم بصفتين رئيسيتين:
الأولى: أن القاضي كان يحكم بما يوحيه إليه اجتهاده، إذ لم تكن المذاهب الأربعة التي تَقيد بها القضاة فيما بعد قد وجدت، فكان القاضي في هذا العصر يرجع للكتاب والسنة في الفصل في الخصومات.
وأما الصفة الثانية: فهي أن القضاء لم يكن متأثرًا بالسياسة؛ فقد كان القضاة مستقلين في أحكامهم، وكانوا مطلقي التصرف، وكلمتهم نافذة حتى على الولاة وعمال الخراج.
أما في العصر العباسي: فقدِ كانَ للقَضَاءِ خَصَائِصُ كثيرة منْهَا تَعدد الآراء في المسألة، بحسب تعدد المذاهب الفقهية التي حدثت في ذلك العصر،