ومن أول الحوادث التي تبين أيضًا تولي الرسول -صلى الله عليه وسلم- للقضاء ذلك الحلف الذي عقده المسلمون من المهاجرين والأنصار بينهم وبين الكفار من اليهود والمشركين من أهل المدينة، وقد جاء في هذا الحلف: "أنّه مَا كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو شجار، يخاف فسادُه؛ فإنّ مَرَدّه إلى الله -عز وجل- وإلى محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاضيًا، كما كان للشريعة مُبلغًا في بداية تكون دولة الإسلام في المدينة، ولم يكن للمسلمين في المدينة قاضٍ سواه؛ إذ كانت الأمة لا تزال على بساطتها وضيق رُقْعَتِها، والوازعُ الدِّيني كان قويًّا، ومِنْ ثَمّ قَلّت المُنَازعات بين الناس، ولم يؤثر عنه -صلى الله عليه وسلم- أنّه عيّن في بلد من البُلدان رجلًا اختص بالقضاء بين المسلمين دُون الرُّجوع له -صلى الله عليه وسلم-، بل كان يعهد بذلك إلى بعض الولاة ضمن أمور الولاية، وتارة يعهد إلى بعض أصحابه بالفصل في بعض الخصومات.

ومن أولئك الذين تُشير بعض المصادر إلى أنّ الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم- أسْنَدَ إليهم القَضَاء ضِمْنَ التّولية لهم عندما أرسلوا إلى بعض الأمصار لتعليم الناس علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-؛ فقد روي عنه قوله: ((بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قاضيًا، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: إنّ اللهَ سَيهدي قَلبك، ويثبت لسانك؛ فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول؛ فإنّه أحرى أن يتبين لك القضاء، قال: فما زلتُ قاضيًا، أو ما شككت في قضاء بعد)).

وكذلك مُعاذ بن جبل -رضي الله عنه- عندما أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن أيضًا، وقال له: ((كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال: فبِسُنّة رسول الله، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015