المنكر، وبمعنى أوضح: كانت نَشْأَتُها منذ أول قيام الدولة الإسلامية في المدينة النبوية، على يد النبي -صلى الله عليه وسلم.

أما القَضَاءُ؛ فالقَضَاءُ في سَائِر الأُمم قديم؛ قدم حضارة الإنسان، وإن لم يَكن بما أصبح عليه في العصور المُتأخرة كعلم وفن له أصوله وقواعده؛ إذ كان القَضَاءُ يَقُوم على الأعراف السائدة في القبيلة أو المُجتمع، مع ما قد يُوجد من قواعد نادرة تَضَعُها السُّلطات أو الحكام، وفي بعض الأحيان تنعدم فيها السلطة القضائية، أو القضاء كوظيفة عامة، ويحل محله القضاء الفردي الخاص الذي يعتمد على القوة.

وفي ظروف أُخرى نَجِدُ أساس الأحكام هي المُعتقدات الدينية، وفي كثير من الشعوب يبرز شيخ القبيلة كحاكم وكقاضٍ يجمع في يديه كل السلطات في شئون قبيلته، وهذا ما كان عليه حال القضاء عند العرب في الجاهلية لا سيما البدو منهم.

أما في مَكّة فقد كانت الحالة القضائية فيها أكمل وأحسن، وسببُ ذلك أنّ مَكّة كانت أكثر البلدان العربية حضارة، وكان أهلها قد وزعوا الأعمال الإدارية في بلدهم على عشرة رجال كالحِجَابة، والسقاية، والرفادة، والندوة، واللواء. وكان من هذه الأعمال ما يتعلق بالقضاء، وقد عهدوا به إلى أبي بكر في الجاهلية.

فلما جاء الإسلام أقرّ بعضَ التقاليد العربية القضائية، وأنكر البعضَ الآخر وعَدّلها بحيثُ تكون موافقة لروحه ومنهجه؛ فلقد تَولّى الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- القضاءَ بنفسه منذ أن وصل إلى المدينة، وبدأ يؤسس لقيام دولة الإسلام، ولعل من أول النصوص التي تبين لنا ذلك؛ قول الله -تبارك وتعالى-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (المائدة: 49).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015