وقال ابن النحاس -رحمه الله- في (تنبيه الغافلين): فصل: أحوالٌ يسقط فيها الوجوب -أي: وجوب تغيير المنكر ويبقى الاستحباب- قال -رحمه الله-: "من عَلِمَ أنّه إذا أنكر المنكر بطل بإنكاره، ولكنه يضرب ضربًا مؤلمًا أو تنهب داره، أو يُخَرَّبُ بيته، أو تُسلب ثيابه، فمثل هذا يسقط عنه وجوب الإنكار، ويَبْقَى الاستحباب إذ لا بأس بأنْ يَفدي دينه بدنياه، ولكل نوع من الضرب أو النهب أو التخريب أو السلب حد في القلة؛ لا يلتفت إليه، وحد في الكثرة يتيقن من كونه مسقطًا للإيجاب، ووسط يقع في محل الاشتباه والاجتهاد، والأمر مداره التقوى والورع والأخذ بالأحوط، ويرجح جانب الدين ما أمكن.
فإن عَلِمَ أنّه لا يُضرب ولا يُنهب ولا يُسلب، ولكن يوضع منديله أو عمامته في رقبته، ويُدار به في البلد أو يسود وجهه، ويُكشف رأسه، ويطاف به حافيًا ونحو ذلك؛ فهذا أيضًا مما يُرخص في السكوت، ويُسقط الوجوب؛ لأن المروءة مأمور بحفظها في الشرع، وهذا مؤلم للقلب عند أكثر الناس، ألمًا يزيد على ألم الضرب.
قال الإمام الغزالي: "وقد دلت عمومات الآيات والأخبار على تأكيد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى عِظَمِ الخَطَر في السكوت عنهما؛ فلا يَسْقُط ذلك، إلّا بِفَوات ما عَظُم في الدِّين خَطَرُه والمال والنفس والمروءة، وقد ظَهَر في الشرع خطرها، وأما مزايا الجاه والحشمة ودرجات التجمل وطلب ثناء الخلق فكل ذلك لا خطر له، ولا يسقط به الوجوب".
ومن ترك الإنكار على من هو خاص به، كأستاذه الذي يعلمه العلم خوفًا من امتناعه عن تعليمه، أو ترك الإنكار على طبيب يدخل عليه، ويَلْبَس الحرير خوفًا من أن يهجره، أو على السلطان المحسن إليه خوفًا أن ينقطع عنه الإحسان