وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في شرح الحديث: "إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك، أن يُؤذى أهله أو جيرانه، لم ينبغ له التَّعَرُّض لهم حينئذ؛ لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره، كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره: "ومع هذا متى خاف منهم على نفسه السيف أو السوط أو الحبس أو القيد أو النفي أو أخذ المال أو نحو ذلك من الأذى سقط أمرهم ونهيهم، وقد نص الأئمة على ذلك منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم، قال أحمد: لا يَتَعَرَّضُ إلى السُّلْطَان؛ فإنّ سيفه مسلول".
فإنْ خَاف السّبب أو سَمَاع الكَلام السّيئ لم يسقط عنه الإنكار بذلك نص عليه الإمام أحمد، وإن احتمل الأذى وقوي عليه؛ فهو أفضل. نص عليه أحمد أيضًا، وقيل له: أليس قد جاء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((ليس للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه أن يُعَرِّضها للبلاء ما لا طاقة لها به)). قال: ليس هذا من ذلك.
ويدل على ما قاله ما خرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النّبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((أفضلُ الجِهاد كلمةُ عدل عند سلطان جائر)).
وأمّا حَديثُ ((لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه))، فإنَّما يَدُلّ على أنه إذا علم أنه لا يُطيق الأذى ولا يصبر عليه، فإنه لا يتعرض حينئذ للأمراء وهذا حق، وإنَّما الكلام فيمن علم من نفسه الصبر لذلك، قاله الأئمة كسفيان وأحمد والفضيل بن عياض وغيرهم.
وقد رُوي عن أحمد ما يدل على الاكتفاء بالإنكار بالقلب، قال في رواية أبي داود: "نحن نرجو إن أنكر بقلبه فقد سلم، وإن أنكر بيده فهو أفضل، وهذا محمول على أنه يخاف".