قال الإمام القرطبي -رحمه الله- في (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم) في شرح حديث: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره)) قال -رحمه الله-: ولوجوب التغيير شرطان:
أحدهما: العلم بكون ذلك الفعل منكرًا أو معروفًا.
والثاني: القدرة على التغيير.
فإذا كان كذلك تعين التغيير باليد، إنْ كَانَ ذلك المُنكر مما يحتاج في تغييره إلينا، مثلُ كَسْرِ أواني الخمر، وآلات اللهو كالمزامير ونحوها، وكمنع الظالم من الضرب والقتل وغير ذلك، فإنْ لَم يَقْدر بنفسه استعان بغيره؛ فإن خاف من ذلك ثوران فتنة، وإشهار سلاح تعينَ رَفْعُ ذلك، فإن لم يقدر بنفسه على ذلك، غير بالقول المرتجى نفعه، من لين أو إغلاظ حسبما يكون النفع، وقد يَبْلُغ بالرِّفْق والسياسة ما لا يبلغ بالسيف والرياسة.
فإن خاف من القول القتل أو الأذى، غيّر بقلبه: ومعناه أن يكره ذلك الفعل بقلبه، ويعزم على أن لو قدر على التغيير لغيره، وهذا آخر خصلة من الخصال المتعينة على المؤمن في تغيير منكر، وهي المعبر عنها في الحديث بأنها أضعف الإيمان، أي: خِصالُ الإيمان، ولم يبق بعدها للمؤمن مرتبة أخرى في تغيير منكر، ولذلك قال في الرواية الأخرى: ليس وراء ذلك من الإيمان حَبّةُ خَرْدَل أي: لم يبق وراء هذه المرتبة رُتبة أخرى.
وفيه دليل على أن من خاف على نفسه القتل أو الضرب، سقط عنه التغيير، وهو مذهب المحققين سلفًا وخلفًا، وذهبت طائفة من الغلاة إلى أنه لا يسقط وإن خاف ذلك.