أن يمتحن المحتسب نفسه، وهُو أنْ يَكُون امتناع ذلك الإنسان عن المُنكر بنفسه، أو باحتساب غيره أحب إليه من امتناعه باحتسابه.
فإن كانت الحسبة شاقة عليه، ثقيلة على نفسه، وهو يود أن يكفى بغيره؛ فليحتسب فإن باعثه هو الدين، وإنْ كَانَ اتِّعَاظُ ذَلِك العاصي بوعظه، وانزجاره بزجره أحبّ إليه من اتعاظه بوعظ غيره؛ فما هو إلا متبع هوى نفسه، ومُتَوسِّلٌ إلى إظهار جاه نفسه، بواسطة حسبته، فليتقِ الله تعالى فيه، وليحتسب أولًا على نفسه.
وإن هذا يقال له ما قيل لعيسى عليه السلام: "يا ابن مريم، عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس، وإلّا فاستحِ مني".
وقيل لداود الطائي -رحمه الله-: "أرأيت رجلًا دخل على هؤلاء الأمراء، فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فقال: أخاف عليه السوط، قال: إنه يقوى عليه، قال: أخاف عليه السيف، قال: إنه يقوى عليه، قال: أخاف عليه الداء الدفين وهو العجب".
الدرجة الرابعة: السب والتعنيف بالقول الغليظ الخشن: وذَلِكَ يَعْدِلُ إليه عند العاجز عن المنع باللطف، وظهور مبادئ الإصرار والاستهزاء بالوعظ والنُّصح، وذلك مثل قول إبراهيم -عليه السلام-: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (الأنبياء: 67).
ولسنا نعني بالسّب والفُحش بما فيه نسبة إلى الزنا ومقدماته، ولا الكذب، بل أن يُخاطبه بما فيه مما لا يُعَدّ من جملة الفحش؛ كقوله: يا فاسق، يا أحمق، يا جاهل. ألا تَخاف الله. وقوله: يا غبي. وما يجري هذا المجرى؛ فإن كل فاسق فهو أحمق وجاهل، ولولا حمقه لما عصى الله تعالى، بل كل من ليس بكيس