عليه؛ فإنه يَسْتفيد منك علمًا، ويَصِيرُ لك عدوًّا، إلّا إذا علمت أنه يغتنم العلم، وذلك عزيز جدًّا.
الدرجة الثالثة: النَّهي بالوعظ والنصح والتخويف بالله تعالى: وذلك فيمن يُقدم على الأمر وهو عالم بكونه منكرًا، أو فيمن أصر عليه بعد أن عرف كونه منكرًا؛ كالذي يواظب على الشرب، أو على الظلم أو على اغتياب المُسلمين أو ما يجري مجراه؛ فينبغي أن يُوعظ، ويُخوف بالله تعالى، وتورد عليه الأخبار الواردة بالوعيد في ذلك، وتُحكى له سيرة السلف، وعبادة المُتَّقِين، وكل ذلك بشفقة ولطف من غير عنف وغضب. بل ينظر إليه نظر المترحم عليه، ويرى إقدامه على المعصية مصيبة على نفسه، إذ المسلمون كنفس واحدة.
وها هنا آفة عظيمة ينبغي أن يتوقاها؛ فإنّها مُهْلِكة، وهي أنّ العالِمَ يَرَى عند التعريف عز نفسه بالعلم، وذُلّ غيره بالجهل، فرُبّما يَقْصِدُ بالتعريف الإذلال، وإظهار التمييز بشرف العلم، وإذلال صاحبه بالنسبة إلى خسة الجهل؛ فإنْ كان الباعثُ هذا؛ فهذا المنكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه.
ومثال هذا المُحتسب مثال من يخلص غيره من النار بإحراق نفسه، وهو غاية في الجهل، وهذه مَذَلَّةٌ عَظيمة وغائلة هائلة، وغرور بالشيطان يتدلى بحبله كل إنسان؛ إلّا من عرّفه الله عيوب نفسه، وفتح بصيرته بنور هدايته؛ فإن في الاحتكام على الغير لذة للنفس عظيمة من وجهين؛ أحدهما: من جهة إزالة العلم، والآخر: من جهة إزالة الاحتكام والسلطنة، وذلك يرجِعُ إلى الرِّياء وطلب الجاه، وهو الشهوة الخفية الداعية إلى الشرك الخفي، وله مَحكٌّ ومِعيار، ينبغي