أما كون الإثم ما حاك في نفس الإنسان وكره أن يطلع عليه الناس ففيه إشارة للضمير الأخلاقي، الذي فطر الله الناس عليه، وهذا الضمير يحس بالفضيلة الخلقية كما يحس بالألم؛ وحينما يحس بالإثم يلامس نفسه شعور خاص به، وحينما يحدث هذا الشعور في النفس يقدر الإنسان أن ما أحس به من شأنه أن يحس به كل إنسان آخر إذا اطلع عليه؛ لأن الناس يشتركون معه في القدرة على الإحساس بالإثم؛ لذلك فهو يكره أن يطَّلِعَ عليه الناس؛ لئلا يخسر مكانته في نفوسهم حينما يعلمون أنه امرؤ آثم، وهذا المقياس النبوي مقياسٌ صحيحٌ دقيق عند ذوي القلوب المؤمنة التي لم تفسد موازينها الفطرية بارتكابِ القبائح الآثام.
الحديث الثامن، وروى البخاري ومسلم بإسنادهما عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)) الألد هو شديد الخصومة، الخصم هو كثير الخصومة المولع بها حتى تصير الخصومة عادة له. وظاهره: أن الخصم الألد سيء الخلق من درجة شديدة القبح، وقد أبان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه أبغض الرجال إلى الله تعالى.
الحديث التاسع: وروى الترمذي بإسناد حسن عن أبي ذر وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن)) ففي هذا الحديث إرشاد إلى قواعد السلوك الكبرى التي من التزمها؛ فقد أخذ سبيله لارتقاء مراتب المجد والكمال الإنساني. وهذه القواعد ترشد إلى المنهج الخلقي العام الشامل لجانبي علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بالناس.
أما ما يدعو إليه الواجب الخلقي بالنسبة إلى علاقة الإنسان بربه؛ فهو تقوى الله في أي مكان ظاهر أو خفي يكون فيه الإنسان وذلك لأن الواجب الأخلاقي