أما قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: ((وخياركم خياركم لنسائهم)) فيكشف الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه أدقَّ الموازين والكواشف التي تكشف عن حقيقة خَلْقِ الإنسان، فأحسن الناس خلقًا في المعاملة، ومعاشرة النساء هم أحسنهم خلقًا؛ فهم بسبب ذلك خيارهم؛ لأن خير الناس هم أحسنهم خلقًا.
ومن المعروف: أن الإنسان قادر على أن يتصنع التظاهر بمكارم الأخلاق وفضائل السلوك إلى فترة معينة، ومع بعض الناس، أما أن يتصنع ذلك في كل الأوقات، ومع كل الناس؛ فذلك من غير الممكن ما لم يكن فعلًا ذا خلق كريم.
والمحَكُّ الذي يمتحن فيه الإنسان امتحانًا صحيحًا ودقيقًا لمعرفة حقيقة خلقه الثابت هو المجتمع، الذي تكون عليه سلطة ما وله معه معاشرة دائمة ومعاملة مادية وأدبية؛ فإرادة التصنع تضعف حينما يشعر الإنسان بأن له سلطة ونفوذ، ثم تشتد ضعفًا حينما تطول معاشرته لمن له عليه سلطة، ثم تتلاشى هذه الإرادة حينما تتدخل المعاملة المادية والأدبية؛ فإذا ظل الإنسان محافظًا على كماله الخلقي في مجتمع له عليه سلطة، وله معه معاشرة دائمة، ومعاملة مادية وأدبية؛ فذلك هو من خيار الناس أخلاقًا.
وأبرز أمثلة هذا المجتمع الذي تتوافر فيه هذه الشروط هو مجتمع أسرة الإنسان، وما له من سلطان فيه على نسائه، وهن الضعيفات بالنسبة إليه يضاف إلى ذلك أن النساء قد تبدو منهن تصرفات، أو مطالب تخرج الحليم عن حلمه، والرصين عن رصانته والسمح عن سماحته، والصدوق عن التزام الصدق، فإذا ثبت الإنسان على خلقه الفاضل، رغم وطأة محرجاتهن التي يتبعن فيها أهواءهن؛ فإنه من خيار الناس خلقًا، وكم يظهر الإنسان أنه حسن الخلق، فإذا سافرت معه، أو عاملته بالدرهم والدينار انكشف عن صاحبه خلق سيء.