ثانيًا: وروى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي الدرداء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلُق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء)) أي: يبغض الذي يفعل الفحشاء، ويقول الفحش، ويتكلم ببذيء الكلام، وهو رديئه، وقبيحه الذي يتحدث عن العورات والرذائل، وما ينبغي من الأشياء والأعمال التي يجب سترها.

وفي هذا الحديث يقرر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن أثقل الفضائل في ميزان المؤمن يوم القيامة الخلق الحسن، وقد يشكل هذا على بعض الناس فيقول: إن الإيمان بالله، وحسن الصلة به أفضل الأعمال، وكذلك توحيد الله، والإخلاصُ له في العبادة، وإذا كانت هذه أفضل الأعمال فهي أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة؛ فكيف يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلُق)).

ولكن هذا الإشكال لا يلبث أن ينحَلَّ إذا عَرَفْنَا أن الإيمان وعبادة الله بما توجِبُهُ الأسسُ الأخلاقية, ومن أولى الواجبات التي تفرضها مكارم الأخلاق، وأن الكفر بالله ورفض عبادته وطاعته من أقبح رذائل الأخلاق -كما سبق بيانه في شرح الحديث السابق- لأنه إنكار للحق من عدة وجوه؛ فهو إنكار لربوبية الله مع أن كون الله رب كل شيء، وخالق كل شيء حقيقة تفرض نفسها على كل منصف محب للحق، وهو جحود لألوهية الله، واستكبار عن عبادتِهِ، وهو تمردٌ على حقِّ اللهِ تجَاهَ عبادِهِ في أن يعبدوه، ويطيعُوهُ مع أنه المنعم عليهم بالنعم الكثيرة التي لا يحصونها.

وظاهر: أن جحود النعمة وعدم القيام بواجب الشكر عليها من أقبح رذائل الأخلاق؛ فالإيمان الذي هو أثقل الفضائل عند الله تعالى، ومظهر من مظاهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015