يكون ذا خلقٍ كريمٍ مع ربِّهِ؛ فلا يؤمن بحق ربوبيته، وألوهيته ولا يذعن له بذلك، ولا يؤدي واجب العبادة له كما أنه ليس من المعقول أن يكون ذا خلق كريم مع الناس وهو يأكل حقوقهم ويعتدي عليهم، ويتجاوز حدود الواجب الأدبي الذي توصي به الآداب الاجتماعية الإسلامية؛ فهذا مناف لما توحيه فضائل الأخلاق لو كان حقًّا ذا خلق كريم.
فالأسس الأخلاقية، والأسس الإيمانية ذات أصول نفسية واحدة، وإن كانت بعض التطبيقات العملية التي يطالب بها الإسلام المستند إلى الإيمان قد لا تستدعيها الأسس الأخلاقية وحدها، منفصلة عن الإيمان فلا يظهر بذلك ارتباطها بها، فهي أحكام شرعية يقتضي الإيمانُ العملَ بها؛ نظرًا إلى أنها أوامر ربانية، والأوامر الربانية توجب الأسس الأخلاقية طاعتها، بوصف كونها طاعةً لمن تجب طاعته، لا يوصف كون المطلوب بِهَا ظاهرة لأساسٍ خلقي؛ فحينما يأمرنا الله تعالى بعبادَةٍ خاصة على وجه مخصوص كصلاة ركعات معينة محددة بصفات خاصة، وشروط خاصة، فليس من اللازم أن تكون هذه الصلاة بصفاتها الخاصة ظاهرة من ظواهر السلوك الأخلاقي وذات صلة مبشرة بالأسس الأخلاقية العامة إذ لله تعالى أن يختار لعبادته أي عمل من الأعمال، وعلى أي شكلٍ من الأشكال، سواء أكان ذلك مما يتصل بالأسس الأخلاقية العامة، أو لا يتصل بها.
ومع ذلك نقول: إنّ الفضيلة الخلقية توجب القيام بهذه الطاعة من جهة أن الله تعالى أمر بها؛ إذ الفضيلة الخلقية توجب طاعة الله؛ لأنه الخالق المنعم المالك ونظير هذا نقول في طاعة الوالدين وبرهما، وفي طاعة أولي الأمر من المسلمين المؤمنين وهكذا.