الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((دعه فإن الحياء من الإيمان))، في رواية ((دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير))، وفي رواية ثالثة ((دعه فإن الحياء خير كله)).
وإن من المشاهد والمجرب أن الحياء يمنع صاحبه المتخلق به من ارتكاب القبائح، والمنكرات، ويجعله بعيدًا كل البعد عن كل ما يُعيب الإنسان، وحين ينعدم الحياء؛ فإنه يهون على الإنسان أن يفعل المنكرات، ويستهين بالقبائح، ويفعل ما يشاء؛ لأن الذي لا حياء له يكون مستهترًا بالناس، غير مبالٍ بهم، ولا يهتم بما يقال فيه، أو عليه، أو عنه، فهو إنسان متبلّد المشاعر ميت الأحاسيس، وكأنه بهيمة تأكل ما تشاء وترتع أينما شاءت، وتفعل ما تشاء، بل ترى عديم خلق الحياء يُفاخر بالمعاصي، ويتباهي بالمجون، وبفعل القبائح، يُسبل الله عليه ستره، فيكشف ستر الله عليه، وينادي: يا فلان يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، غير مبالٍ بالناس، ولا بمشاعر الناس، وهذا العمل وهذا المجون والمجاهرة بالإثم والمعاصي؛ إنما سببه فقدان الحياء من الله تعالى ومن الناس، وهذا العمل لا يغفره الله تعالى؛ لأن الله تعالى وكما أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم- بأنه تعالى يغفر لكل المذنبين إلا المجاهرين بمعاصيهم، لفقدهم الحياء يسترهم الله فيفضحون أنفسهم، ويفضحون الناس.
ومن هنا قال -صلى الله عليه وسلم: ((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت))، وبيَّن -صلى الله عليه وسلم- أن هذا الكلام ميراث من مواريث النبوة الأولى، وأنه من كلام الأنبياء السابقين، ومما أوحى الله به إليهم؛ إذ يقول -صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت))، إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قضى بأن الإيمان والحياء قُرناء، فإذا غاب أحدهما غاب الآخر، وإذا سُلب أحدهما سُلب الآخر، روى الإمام البيهقي