والحياء خلق من الأخلاق النبيلة الفاضلة التي نادت بها كل الرسالات، وجاء الإسلام فأكَّد عليها؛ بل إن الحياء كان من أبرز الأخلاق التي تخلَّق بها الرسل جميعًا، لا سيما سيِّد الخلق وأشرف الرسل، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والذي عُرف عنه بأنه كان أشدَّ حياء من العذراء في خُدرها -صلى الله عليه وسلم.

والحياءُ عَرّفه علماء اللغة بأنه تغيير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يُعاب به، أو يُذمّ عليه، وعند علماء الشرع الحياء خُلق يبعث على اجتناب القبائح، والتخلي عن الرذائل، ويمنع صاحبه من التقصير في حق ذي الحق، وعلى ذلك فالذي يتخلَّق بخلق الحياء تراه يبتعد كل البعد عن المعايب، ولا يبدر منه القبيح، وإنما يستحي من نفسه من الناس ومن الله تعالى، ولهذا كان الحياء خصلة من خصال الإيمان العظيمة، وشعبة من شعبه الكريمة.

روى البخاري بسنده عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الإيمانُ بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان))، ((الإيمان بضع وستون شعبة، وأعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) في رواية أخرى، فهذا الحديث الشريف جعل الحياء واحدًا من شعب الإيمان، بل جعله من أهمها؛ إذ نبَّه عليه دون باقي الشعب في الرواية الأولى، وذلك لأهميته ولمكانته، وفي الرواية الثانية ذكره مقرونًا بكلمة التوحيد، وإزالة الأذى عن طريق المسلمين، فقال فيها: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))، ثم قال: ((والحياء شعبة من الإيمان)).

وما كان هذا الاقتران إلا لتلك المكانة العالية لخلق الحياء، ولقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الحياء خير كله))، وأنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الحياء لا يأتي إلا بخير))، وفي رواية للبخاري ومسلم عن عبد بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015