وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤلف أصحابه ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر النار ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد منهم يتفقد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يردُّه إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا، وصاروا عنده في الحق سواء.

وكان دائم البشر، سهل الطبع، لين الجانب، ليس بفظٍّ، ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحَّاش، ولا عتَّاب، ولا مدَّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يقنط منه قاصده.

وعن عائشة -رضي الله عنها: "ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال: لبيك"، وقال جرير بن عبد الله -رضي الله عنه: "ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم، وكان يُمازح أصحابه، ويخالطهم، ويجاريهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر، والعبد، والأمة، والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عُذر المعتذر". قال أنس: "ما التقم أحد أذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني: ناجاه، فينحي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه" أي: هو الذي يبتعد، وما أخذ أحد بيده فيرسل -عليه الصلاة والسلام- يده حتى يرسلها الآخر، وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، لم يُر قط مادًّا رجليه بين أصحابه، فيضيّق بهما على أحد يُكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه ليجلس عليه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى، ويكني أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم؛ تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015