وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أُتي بهدية قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة، إنها كانت تحب خديجة" هذا من الوفاء، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما غِرت على امرأة ما غرت على خديجة، لما كنت أسمعه يذكرها -عليه الصلاة والسلام- وإن كان ليذبح الشاة، فيهديها إلى خلائلها -يعني: إلى أصدقائها- واستأذنت عليه أختها، فارتاح إليها، ودخلت عليه امرأة فهشَّ لها، وأحسن السؤال عنها، ولما خرجت قال: ((إنها كانت تأتينا في أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان)).
وكان -صلى الله عليه وسلم- يصل رحمه من غير أن يؤثرهم على من أفضل منهم، وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: ((لما جاء وفد النجاشي قام النبي -صلى الله عليه وسلم- يخدمهم بنفسه، فقال له أصحابه: نكفيك يا رسول الله. فقال -عليه الصلاة والسلام: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وإني أحب أن أكافئهم)).
وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: ((خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوكئًا على عصى، فقمنا له فقال: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يُعظّم بعضهم بعضًا، وقال: إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، وكان يركب الحمار، ويُردف خلفه من يركب معه، ويعود المساكين، ويُجالس الفقراء، ويجلس بين أصحابه مختلطًا بهم حيثما انتهى به المجلس جلس))، "وحج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رحل رثٍّ عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم فقال: ((اللهم حجة لا رياء فيها ولا سُمعة، ولما فتحت عليه مكة ودخلها بجيوش المسلمين طأطأ رأسه على راحلته حتى كاد أن يمسَّ قادمته؛ تواضعًا لله تعالى)).
وكان كثير السكوت لا يتكلم في غير حاجة يُعرض عمن تكلم بغير جميل، وكان ضحكه تبسمًا، وكلامه فصلًا لا فضول فيه ولا تقصير، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم؛ توقيرًا واقتداء به، مجلسه مجلس حلم، وخير، وأمانة، لا تُرفع فيه