وَقَدْ صَدَقَ، فَكَمْ مِنْ رَاغِبٍ مُجْتَهِدٍ فِي طَلَبِهِ لَا يَحْظَى مِنْهُ بِطَائِلٍ عَلَى طُولِ تَعَبِهِ وَمُوَاصَلَةِ دَأْبِهِ وَنَصَبِهِ، وَذَلِكَ إِذَا نَقُصَ ذكاؤه وكل ذهنه ونبتت قَرِيحَتُهُ.

وَالْفَهْمُ إِنَّمَا يَكُونَ مَعَ اعْتِدَالِ آلَتِهِ، فَإِذَا عَدِمَ الاعْتِدَالَ لَمْ يَكُنْ قَبُولٌ، كَالطِّينَةِ إِذَا كَانَتْ يَابِسَةً أَوْ مَنْحَلَةً لَمْ تَقْبَلِ الْخِتْمَ، وَإِنَّمَا تَقْبَلُهُ فِي حَالِ اعْتِدَالِهَا، وَإِذَا أَكْدَى الطَّالِبُ مَعَ الاجْتِهَادِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ الهوينا والفتور.

فَإِذا كُنْتَ أَيُّهَا الأَخُ تَرْغَبُ فِي سُمُوِّ الْقَدْرِ وَنَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَارْتِفَاعِ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْخَلْقِ، وَتَلْتَمِسُ عِزًّا لَا تَثْلِمُهُ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ وَلا تَتَحَيَّفُهُ الدُّهُورُ وَالأَعْوَامُ، وَهَيْبَةً بِغَيْرِ سُلْطَانٍ، وَغِنًى بِلا مَال، ومنعة بِغَيْرِ سِلاحٍ، وَعَلاءً مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ، وَأَعْوَانًا بِغَيْر أَجْرٍ، وَجُنْدًا بِلا دِيوَانٍ وَفَرْضٍ، فَعَلَيْكَ بِالْعِلْمِ، فَاطْلُبْهُ فِي مَظَانِّهِ، تَأْتِكَ الْمَنَافِعُ عَفْوًا، وَتَلْقَ مَا يعْتَمد مِنْهَا صَفْوًا، وَاجْتَهِدْ فِي تَحْصِيلِهِ لَيَالِيَ قَلائِلَ، ثُمَّ تَذَوَّقْ حَلاوَةَ الْكَرَامَةِ مُدَّةَ عُمْرِكَ، وَتَمَتَّعْ بِلَذَّةِ الشَّرَفِ فِيهِ بَقِيَّةَ أَيَّامِكَ، وَاسْتَبْقِ لِنَفْسِكَ الذِّكْرَ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِكَ.

ولأمر مَا اجْتَهَدَ فِيهِ طَائِفَةُ الْعُقَلاءِ، وَتَنَافَسَ عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ، وَتَحَاسَدَ فِيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015