وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: ثَنَا أَبُو عَليّ عسل، ثَنَا أَبُو حَاتِم، ثَنَا الأَصْمَعِيُّ قَالَ: أَذِنَ هِشَامٌ إِذْنًا عَامًّا، فَدَخَلَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَضَى حَاجَتَهُمْ، فَلَمَّا ظهر أَن مَجْلِسه قد خَلا مِنْهُمْ، أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: مَنِ الَّذِي يَقُول: // من المتقارب //.
(أَخَذْنَ الْقُرُونَ فَعَكَفْنَهَا ... كَعَكْفِ الْعَسِيفِ غَرَابِيبَ مِيلا) قَالَ: فَسَكَتَ الْقَوْمُ، وَقَدْ تَخَلَّفَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي حَاجَةٍ لَهُ كَالمُخْتَفِي، فَقَالَ: للَّذي يَلِيهِ: قل امْرُؤ الْقَيْس، فقلا: مَا يَعْنِي فَقَالَ الرجل يلقنه: قل الْفَرْع، فَقَالَ: الْفَرْع.
فَضَحِك هِشَام وَجعل يضْرب رجله، فَقَالَ لِلْعِرَاقِيِّ: أَهَكَذَا هُوَ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلِمَنِ الشِّعَرُ قَالَ: لِكُثَيرٍ، قَالَ: يَصِفُ مَاذَا قَالَ: يَصِفُ شُعُورَ النِّسَاءَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: تَدَنِّي هَؤُلاءِ وَتَقَصِّينَا، وَهَذَا يَقُوله كثير يصف أَخذ النِّسَاء ضفايرهن ووضعهن كَمَا يعْمل عسيف بِالْعِنَبِ إِذَا علقَ عَنَاقِيدَهُ، وَشَبَّهَ الْعَنَاقِيدَ بِالْغَرَابِيبِ السَّودِ، قَالَ: فَقَضَى حَاجَتَهُ وَأَجَازَهُ. فَانْظُرْ كَيْفَ يسخر الْعرَاق مِنَ الشَّامِيِّ لَمَّا تَبَيَّنَ مِنْ جَهْلِهِ، وَكَيْفَ رَأْيَ الْخَلِيفَةِ فِي إِدْنَاءِ الْجُهَّالِ وَإِقْصَاءِ الْعُلَمَاءِ، ولعمري إِن ذَلِك لسبة.
أعلانا الله عز وَجل وَإِيَّاك مِنَ الْجَهْلِ وَالرِّضَى بِهِ، وَتَقْرِيبِ أَهْلِهِ وَاسْتِحْسَانِ حَالهم مِنْهُ، وَنَفَعَنَا بِمَا عَلِمْنَا وَجَعَلَهُ حُجَّةً لَنَا لَا علينا.