الثَّانِيَة من طبيعة الْإِنْسَان قَالَ: الْبدن الْكثير الأخلاط العبل جدا فِي الْجُمْلَة أَكثر استعداد للأمراض من الْبدن الْقَلِيل الأخلاط إِلَّا أَن الْبدن المفرط فِي قلَّة الأخلاط وخاصة الْبدن المنهوك جدا يسْرع إِلَيْهِ التأذى بِالْحرِّ وَالْبرد ويعرض لَهُ الإعياء بِسُرْعَة ويسرع إِلَيْهِ الْأَذَى من جَمِيع الْأَسْبَاب الخارجية ويسرع إِلَيْهِ الْأَمْرَاض من السهر وَالْغَم والهم وَالْغَضَب أَكثر من إسراعها إِلَى من كَانَ عبلاً سميناً. قَالَ: من تُرِيدُ أَن تهزله فَرْضه قبل الطَّعَام وَلَا تطعمه إِلَّا مرّة قَلِيلا وليتم على شَيْء صلب لِأَنَّهُ يجمع الْجِسْم ويصلبه وَلَا يدع اللَّحْم يكثر وَيمْنَع النشئ وليرتض وَهُوَ فَأَما من أردْت تسمينه فبالضد وَأدْخلهُ الْحمام دخلات فِي الْيَوْم ولتدخله دخلة بعد الطَّعَام ألف ب ورضه رياضة بطيئة ولينم على شَيْء وطيء وَلَا يكْشف بدنه للهواء وَلَا يتعب وَلَا يَصُوم.
قَالَ: الْأَبدَان المتخلخلة اللَّحْم لَا تبلغ إِلَى الخصب الَّذِي فِي الْغَايَة بسهولة فَلذَلِك يبْقى لَهَا خصبها مُدَّة طَوِيلَة وَأما الَّتِي تبلغ إِلَى الخصب الَّتِي فِي الْغَايَة فأبدان أَصْحَاب الرياضة فَإِن ذَلِك الخصب لَا يَنْبَغِي لَهَا زَمَانا طَويلا لِأَن الْأَبدَان إِذا كَانَ خصبها فِي الْغَايَة لم يكن بُد أَن تنْتَقل حَاله سَرِيعا.
بولس: الَّذين يتعبون وتخصب أبدانهم فِي الْغَايَة كخصب أبدان أَصْحَاب الصداع هم خارجون عَن الصِّحَّة الْوَثِيقَة لِأَن هَذَا الخصب يكسيهم أَن تَنْقَطِع قوتهم بَغْتَة وَبَعْضهمْ يذهب حسه وحركته وَيبقى مفلوجاً من أجل أَن الغلظ الْخَارِج عَن الطَّبْع والامتلاء الْحَادِث فِي الْجِسْم يطفئان الْحَرَارَة الغريزية ويشدان مجْرى الرّوح وسالكه وَأَقل مَا يصيبهم أَن تنخرق عروقهم وتعفن. قَالَ:)
وَأما الخصب الآخر وَهُوَ أَن يخشن اللَّحْم وَيجب أَن يحرص الْإِنْسَان على اقتنائه لِأَنَّهُ تكون الصِّحَّة أوثق. لي تكون الصِّحَّة بِهِ أوثق لِكَثْرَة الْحَرَارَة الغريزية وجودة الهضم وَيكون مَعَ ذَلِك أبعد من السخونة.
من التَّدْبِير الملطف قَالَ جالينوس: إِن أَكثر الْأَمْرَاض المزمنة تحْتَاج إِلَى التَّدْبِير الملطف وَكَثِيرًا مَا يسْتَغْنى بِهِ وَحده عَن جَمِيع العلاج.
والأجود فِي جَمِيع الْأَمْرَاض الَّتِي يُمكن أَن يتم برؤها بِالتَّدْبِيرِ الملطف أَلا تعالج بِشَيْء من الْأَدْوِيَة فَإِنِّي قد رَأَيْت قوما كثيرا مِمَّن بهم وجع الكلى والمفاصل برؤا بِالتَّدْبِيرِ الملطف برءاً تَاما حَتَّى أَنه لم تعد عَلَيْهِم علتهم وَبَعْضهمْ خفت عَلَيْهِ غَايَة الخفة وَرَأَيْت قوما كثيرا كَانَ يتعاهدهم الربو بلغ من انتفاعهم بِهِ إِن سكن عَنْهُم الربو سكوناً تَاما أَو خفه خفَّة كَثِيرَة حَتَّى أَنهم كَانُوا لَا يَجدونَ مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا يَسِيرا وَالتَّدْبِير الملطف يذبل الطحال الْعَظِيم وَيحل حمى الكبد.
فَأَما الصرع فَمَا كَانَ مِنْهُ يَسِيرا وعولج مُنْذُ أول حُدُوثه بِالتَّدْبِيرِ الملطف فَإِن صَاحبه يبرأ مِنْهُ برءاً تَاما وَمَا كَانَ مِنْهُ مزمناً مُتَمَكنًا فَإِن صَاحبه ينْتَفع بِهِ نفعا لَيْسَ بِيَسِير.
قَالَ: وَجَمِيع الْأَطْعِمَة والأدوية الملطفة نافعة للأبدان المملوءة من الأخلاط الغليظة الْبَارِدَة اللزجة إِلَّا أَنه لَا يُؤمن من اسْتِعْمَالهَا على غير تَقْدِير أَن تفْسد دم الْجِسْم وتجعله مرارياً.
قَالَ: والرائحة والطعم يؤديان