الاغتذاء والهضم وتولد الدَّم فَصَارَت لذَلِك لَا تقدر أَن تنضج الْغذَاء بالمقدار الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ الْبدن وَلذَلِك يجب أَن يعْطى الْغذَاء قَلِيلا قَلِيلا لتقوى عَلَيْهِ فَأَما تِلْكَ الْحَالة الَّتِي الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة فِيهَا بَاقِيَة على حَالهَا فَإِنَّهُ يُمكن أَن يعْطى الْغذَاء بِمرَّة كثيرا لِأَن قُوَّة الْأَعْضَاء الهاضمة بَاقِيَة. لي الأغذية الرطية القوام أسْرع الأغذية تَغْلِيظًا للبدن وَلذَلِك صَار الشَّرَاب الْأَحْمَر الغليظ أَكثر الأنبذة غذاءا ويملأ الْأَبدَان الَّتِي قد استفرغت واحتاجت إِلَى الزِّيَادَة أسْرع لِأَن الهضم إِنَّمَا يتم بالحرارة والرطوبة فَإِذا كَانَ الْغذَاء سيالاً رَقِيقا حاراً سهل على الطبيعة إحالته وَقَلبه سَرِيعا وَلم يكن فِيهِ مَعَ ذَلِك كَبِير فعل لكنه يغذو أَكْثَره كَمَاء اللَّحْم وَالشرَاب الغليظ والحساء الْمُتَّخذ من لب الْحِنْطَة والأرز وَاللَّبن وَنَحْوه والأغذية السريعة الاستحالة اللطيفة هِيَ أسْرع إغذاء الْبدن لِأَنَّهَا أسْرع تحللاً مِنْهُ أَيْضا وَلذَلِك لَيْسَ اللَّحْم الْمُتَوَلد فِيهَا بباق كَاللَّحْمِ الْمُتَوَلد من الْعِنَب والأغذية الصلبة كلحم الْخِنْزِير لَا يزِيد بِسُرْعَة لَكِن مَا يزِيد مِنْهَا بَاقٍ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالأجود أَن نلطف قوام الأغذية القوية فَنَجْعَل الْحُبُوب أحساءاً واللحوم مياهاً وَنَحْو ألف ب ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهَا ليسرع الاستحالة وَالْمَوْت إِلَى أَصْحَاب الْأَجْسَام العليلة الضخمة أسْرع مِنْهُ إِلَى الْأَبدَان القضيفة على الْأَمر الْأَكْثَر. ج: من كَانَ ضخم الْجِسْم مُنْذُ أول عمره فالموت أسْرع إِلَيْهِ من المهزول فِي الْأَكْثَر وَأفضل الْأَشْيَاء أَن يكون للبدن حسن السحنة لَا غليظا وَلَا مهزولا فَإِن هَذَا يُمكن يبلغ من الشيخوخة غايتها وَإِن كَانَ مجاوزا للاعتدال فافراطه فِي الهزال خير من إفراطه فِي السّمن وَذَلِكَ أَن الْجِسْم الغليظ ضيق الْعُرُوق وَلذَلِك الرّوح وَالدَّم فِيهِ قليلان فَإِذا تمادت بِهِ السن طفئت الْحَرَارَة الغزيرة من أدنى سَبَب فَمَاتَ فَجْأَة.
وَأما المهزول فَلَا تخفف عَلَيْهِ ذَلِك إِلَّا أَنه رُبمَا بردت أعضاؤه الرئيسة لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء يَسْتُرهَا من برد الْهَوَاء.
وَأما من كَانَت سحنته بالطبع معتدلة فِي الأول من عمره ثمَّ غلظ غلظاً كثيرا بالستعمال الخفص)
والدعة فَإِن بدنه وَإِن كَانَ غليظاً فعروقه وَاسِعَة وَمَا فِيهِ من الدَّم وَالروح كثير وَلذَلِك سرعَة قَالَ وَعظم الْجِسْم فِي الشبيبة لَا يكره بل يسْتَحبّ إِلَّا أَنه عِنْد الشيخوخة يثقل ويعسر وَيكون أردى من الْجِسْم الَّذِي هُوَ أنحف فسره جالينوس على الْجِسْم الطَّوِيل وَالَّذِي أَحسب أَنه السمين فَإِن جالينوس قَالَ: إِن الْبدن الغليظ وَهُوَ الْكثير الْعرض والعمق أَجود فِي الشيخوخة من الْبدن اللَّطِيف وَلَيْسَ بدن هُوَ بِهَذِهِ الْحَالة من الموصوفة إِلَّا الطَّوِيل زعم.
الرَّابِعَة من الْفُصُول: الرَّاحَة ترطب الْأَبدَان كَمَا أَن الرياضة تجففها والأغذية إِنَّمَا تسمن وترطب الْبدن مِنْهَا الحلوة والدسمة والتفهة وَأما غير ذَلِك فَلَا لِأَنَّهَا دوائية.
السَّابِعَة من الْفُصُول. قَالَ: الْجُوع يجفف الْجِسْم وَهُوَ الَّذِي يُبرئ الْأَمْرَاض الرّطبَة ويجفف لحم الْجِسْم لِأَن الْجِسْم يتَحَلَّل دَائِما فَإِذا لم يخلف بَدَلا مِمَّا تحلل جفف جفوفاً قَوِيا.