قال صالح: ثم إني انحدرت إلى بغداد، وخلفت عبد اللَّه عنده، فإذا عبد اللَّه قد قدم وجاءَ بثيابي التي كانت عنده. فقلت: ما جاء بك؟
قال: قال لي: انحدر وقل لصالح: لا تخرج فأنتم كنتم آفتي، واللَّه لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أخرجت منكم واحدًا معي، ولولا مكانكم لمن كانت توضع هذِه المائدة؟ ولمن كان يفرش هذا الفرش، ويجري هذا الإجراء؟
قال صالح: فكتبت إليه أعلمه بما قال لي عبد اللَّه، فكتب إلي بخطه:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم أحسن اللَّه عاقبتك ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي حملني على الكتاب إليك والذي قلتُ لعبد اللَّه: لا يأتيني أحد وربما ينقطع ذكري ويَخْمُد، فإنكم إذا كنتم هاهنا فشا ذكري، وكان يجتمع إليك قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خير، واعلم يا بني إن أقمتَ فلم تأت أنت ولا أخوك فهو رضائي، فلا تجعل في نفسك إلا خيرًا، والسلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته.
قال صالح: ثم ورد إلي كتاب آخر يذكر فيه: بسم اللَّه الرحيم، أحسن اللَّه عاقبتك، ودفع عنك السوءَ برحمته، كتابي إليك وأنا في نعمة من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ متظاهرة، أسأله تمامها والعون على أداء شكرها، قد انفكَّت عنا عقدة، إنما كان حبس من كان هاهنا لما أعطوا فقبلوا، وأجري عليهم فصاروا في الحد الذي صاروا إليه، وحدثوا ودخلوا عليهم، فهذِه كانت قيودهم، فنسأل اللَّه أن يعيذنا من شرهم ويخلصنا، فقد كان ينبغي لكم لو قربتموني بأموالكم وأهاليكم فهان ذلك عليكم للذي أنا فيه، فلا يكبر عليك ما أكتب به إليكم، فالزموا بيوتكم فلعل اللَّه تعالى أن يخلصني، والسلام عليكم ورحمة اللَّه.
ثم ورد عليَّ غير كتاب إليَّ بخطه بنحو من هذا. فلما خرجنا من العسكر