تحدثه بأحاديث، فسكت. فلما خرج، قال: أتراه لا يرى ما أنا فيه!
قال صالح: كان أبي يختم من جمعة إلى جمعة، فإذا ختم دعا، فيدعو ونؤمن على دعائه، فلما كان غداة الجمعة، وجه إليَّ وإلى أخي عبد اللَّه، فلما أن ختم، جعل يدعو ونؤمن على دعائه، فلما فرغ جعل يقول: أستخير اللَّه مرارًا. فجعلت أقول: ما تريد؟ ثم قال: إني أعطي اللَّه عهدًا، إن العهد كان مسئولًا، وقد قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] أني لا أحدث حديثًا تاما أبدًا حتى ألقى اللَّه، ولا أستثني منكم أحدًا، فخرجنا، وجاء علي بن الجهم، فقلنا له، فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون. فأخبر المتوكل بذلك.
وقال: إنما يريدون أن أحدث، فيكون هذا البلد حبسي، وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا فقبلوا، وأمروا فحدثوا.
وكان يخبرونه، فيتوجع لذلك، وجعل يقول: واللَّه لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان، وإني لأتمنى الموت في هذا وذاك، إن هذا فتنة الدنيا، وكان ذاك فتنة الدين، ثم جعل يضم أصابع يده، ويقول: لو كانت نفسي في يدي لأرسلتها، ثم يفتح أصابعه.
وكان المتوكل يوجه إليه في كل وقت يسأل عن حاله، وكان في خلال ذلك يؤمر لنا بالمال، فيقول: يوصل إليهم ولا يعلم شيخهم فيغتم، ما يريد منهم؟ إن كان هؤلاء يريدون الدنيا فلم يمنعهم؟
وقالوا للمتوكل: إنه كان لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فرشك، ويحرم الذي تشرب. فقال لهم: لو نشر لي المعتصم [وقال لي فيه شيئًا] (?) لم أقبل منه.
"السيرة" لصالح ص 96 - 102