الحمدُ للَّه ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النَّبي القدوة الأمين، محمد بن عبد اللَّه وعلى آله وصحبه ومَنْ اتبع هداه إلى يوم الدين.
أما بعد
فإنَّ الحديثَ عن واحدٍ مِنَ العظماء في تاريخِ الإنسانيةِ ليس كالحديثِ عن غيرِهِ مِنَ المشاهير والأعلام، ذلك أنَّ مقصدهم في الغالب -وبخاصة المسلمين منهم- ليس في البحثِ عن الشهرةِ أو التكريمِ في حياتهم، فلهم أهدافٌ أبعدُ وأنبلُ مِنَ الأهداف الموجودة عِنْدَ أصحابِ الطموح الذين يريدونَ إسعادَ أنفسِهم، وتربيةَ أولادهم، وخدمةَ مُجتمعاتِهم وأعمالِهم ووظائفِهم، وهي أهدافٌ مشروعةٌ حميدةٌ، لكنَّ أهدافَ العظماءِ تتجاوزُ ذلك إلى الإنسانيةِ جمعاء، وإحداث محطاتٍ تاريخيةٍ في مَجالِهم، لا يَنْفَكُّ ذِكْرهم إذا تكلَّم أحدٌ في تخصصهم، ولا يتمكن مغرض أن يطمس ولو بعض ما أنجزوا، هؤلاء هم الذين يشكلون لنا الحضارةَ والفكرَ والإبداعَ، والأهم من ذلك: يُحافظون على أصولِ هذا الدين ونقائه.
وليس من السهولةِ الوصولُ إلى مكانةِ واحدٍ من هؤلاء، فعلى مرِّ التاريخ نجدُ مَنْ حاولَ جاهدًا أنْ يلصق نفسَه بهم دونَ حقٍّ؛ قد ينالُ بعضَ المنافعِ المؤقتةِ الزائلةِ، لكنْ ما يلبثُ أنْ ينكشفَ أمامَ الجميعِ، وأمامَ التاريخِ في الأجيالِ اللاحقةِ.
هؤلاء العظماءُ أهلُ العزمِ والهمَّةِ الفائقةِ، لَمْ يرضوا بما رضي به غيرهم، ولَمْ يحفلوا بإنجازاتٍ صغيرةٍ أو وهميةٍ يتم تهويلها وتفخيمها، أو تأثيراتٍ ضعيفةٍ يلقوا بها بعض المديح، بل هُم كِبار، حتى لو لَمْ يذكرْهم الناسُ: