وقد ورد في بناء المساجد أو المساهمة في بنائها أدلة كثيرة، تدل على أن ذلك من أجل الطاعات، وأفضل القربات؛ لأن المساجد بيوت الله تعالى، وهي الوسيلة لإقامة صلاة الجماعة، ولها وظائف عظيمة في نظر الإسلام.
قال تعاإلى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18].
وقوله: {يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} شامل للعمارة بالبناء والعمارة بالعبادة؛ لأن باني المسجد يتقرب إلى الله تعالى ببنائه، فهو يعمر المسجد لطاعة الله تعالى.
وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من بنى لله مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتًا في الجنة" وفي رواية: "بنى الله له مثله في الجنة" (?).
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "من بنى لله مسجدًا ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة" وفى رواية: "ولو كمفحص قطاة" (?)، وفى حديث جابر -رضي الله عنه- بلفظ: "كمفحص قطاة أو أصغر" (?).
ومفحص القطاة: هو الموضع الذي تفحص التراب عنه، أي: تكشفه وتحيه لتبيض فيه (?). وخصّ القطاة بهذا؛ لأنها لا تبيض في شجرة ولا على رأس جبل، إنما لخعل مجثمها على بسيط من الأرض.
فلذلك شبه به المسجد (?).
قال في فتح الباري: (وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة؛ لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه، ويويده رواية جابر هذه، وقيل: بل هو على ظاهره، والمعنى: أن يزيد في مسجد قدرًا يحتاج إليه، تكون الزيادة هذا القدر، أو يشترك جماعة في بناء مسجد، فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر ... ) (?).
وتنبغي العناية ببناء المسجد بتهيئة المساحة الكافية، والاهتمام بتحديد جهة القبلة، وأن يتولى البناء أيد مسلمة أمينة، وأن تبنى ما يتناسب مع البنيان الحديث، ويجب الحذر من زخرفة المساجد والتباهي بذلك -كما هو الواقع اليوم- وذلك من علامة الساعة، وقد نص العلماء على كراهة ذلك، وصرح بعضهم بالتحريم (?).
وقد ورد عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" (?).
قال البخاري: قال أنس: يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما