وعليهم" (?) أي: لكم صلاتكم تامة ما دام أنها تمت بأركانها وشرائطها وواجباتها، وعليهم خطؤهم فيعيدون الصلاة إذا قصروا، وبناءً على ذلك قال جمهور العلماء خلافًا للحنفية -رحمهم الله-: إنه لو صلى إمام بقوم وهو ناس لحدثه ولم يعلم المأمومون أنه محدث ولم يعلموا إلا بعد انتهاء الصلاة فإنه لا تلزمهم الإعادة.
واستحب بعض السلف أن يعيدوا داخل الوقت، ولكن ليس على سبيل الإلزام، وإنما على سبيل الاستحباب إذا بلغهم الخبر قبل خروج الوقت، وقد حفظ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما روى الإمام مالك في موطئه (?) "أنه صلى بالناس الفجر ثم خرج إلى مزرعة له بـ (الجرف) فلما جلس على الساقية وهي القنطرة وهذا بعد طلوع الشمس وبعد انتهاء الصلاة وصلاة الناس نظر إلى فخذه فرأى أثر الاحتلام حتى لم يشعر أنه كان محتلمًا، فلما نظر إلى الاحتلام قال: ما أرني إلا أجنبت وصليت وما اغتسلت إنَّا إذا أصبنا الودك لانت العروق" ثم قام فاغتسل فأعاد الصلاة ولم يأمر الناس بالإعادة.
ولكن الحنفية استدلوا بحديث ضعيف عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمرهم بالإعادة. وهذا حديث ضعيف. وقالوا: إنهم يؤمرون بالإعادة؛ لأن صلاة المأموم مبنية على صلاة الإمام، وكل ما ذكروه من الحجج العقلية النظرية فإنها لا تقوى على معارضة المنقول المأثور عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالعمل على أن صلاة المأموم صحيحة، لكن لو أحدث الإمام أثناء الصلاة؟ أو رأيت إمامًا أحدث، ثم بعد الحدث مباشرة نسي وجاء وكبر وأنت تعلم أنه لم يتطهر لم يجز لك أن تصلي وراءه، فإن صليت وراءه عالمًا أنه محدث بطلت صلاتك ولزمتك الإعادة وهذا وجه واحد عند أهل العلم -رحمهم الله- أنه لا يجوز الائتمام بالإمام المحدث حدثًا أصغر أو أكبر، وكذلك لو رأيت النجاسة على ثوبه، أو بدنه، أو مكانه، فإن أمكنك أن تريه النجاسة حتى يتنبه لها، فإنه يلزمك ذلك فإن أمكنه أن يغسلها دون حدوث انحراف عن القبلة ولا عمل كثير فحينئذ يبني وتبقى إمام وتبني صلاته على صلاتك وينفصل للعذر. وأما إذا لم يمكن ذلك فإنك إذا رأيت النجاسة على بدنه، أو ثوبه، أو أحدث أثناء الصلاة ولم يمكنك تنبيهه تنوي مفارقته يعني تنوي أنك منفرد، فلو رأيتها بعد ركعتين تتم الركعتين الباقيتين ناويًا أنك منفرد، وإذا خشيت الانزعاج مع الجماعة، أو أنهم يلتفتون إليك بشذوذك عنهم فإنك تنوي أنك منفرد، فإذا كبر للركوع كبرت للركوع لنفسك فتصحبه في الأفعال وفاقًا ظاهرًا لا وفاقًا باطنًا، والله تعالى أعلم.
موسوعة الفتاوى الإسلامية، الشيخ محمد مختار الشنقيطي
* * *