تكفير المسلم أمر خطير جدًا -كما تقدم-، وعليهم -فقط- أن يذكروا بعظمة الصلاة في الإسلام، بما جاء من ذلك في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية الصحيحة؛ فإن الحكم قد خرج -مع الأسف- من أيدي العلماء فهم -لذلك- لا يستطيعون أن ينفذوا حكم الكفر والقتل في تارك واحد للصلاة، بل جمع من التاركين ولو في دولتهم، فضلًا عن الدول الإسلامية الأخرى!

فإن قتل التارك للصلاة بعد دعوته إليها، إنما كان لحكمة ظاهرة، وهو لعله يتوب إذا كان مؤمنًا بها، فإذا آثر القتل عليها دل ذلك على أن تركه كان عن جحد، فيموت -والحالة هذه- كافرًا، كما تقدم عن ابن تيمية، فامتناعه منها في هذه الحالة هو الدليل على خروجه، من الملة وهذا مما لا سبيل إليه اليوم مع الأسف.

فليقنع العلماء -إذن- من الوجهة النظرية بما عليه جمهور أئمة المسلمين بعدم تكفير تارك الصلاة، مع إيمانه بها.

وقد قدمنا الدليل القاطع على ذلك من السنة الصحيحة فلا عذر لأحد بعد ذلك.

{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

تنبيه: سبق النقل (ص 57 - 58) عن ابن قدامة وهو -رحمه الله- من جملة الذين فاتهم الإستدلال بهذا الحديث الصحيح للمذهب الصحيح في عدم تكفير تارك الصلاة كسلًا!

لكن العجيب أنه ذكر حديثًا آخر لو صح لكان قاطعًا للخلاف؛ لأن فيه أن مولى للأنصار مات، وكان يصلي ويدع، ومع ذلك أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغسله والصلاة عليه، ودفنه!

وهو وإن كان قد سكت عنه؛ فإنه قد أحسن بذكره مع إسناده من رواية الخلال، الأمر الذي مكنني من دراسته، والحكم عليه بما يستحق من الضعف والنكارة، ولذلك أودعته في كتابي (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (6036).

تنبيه ثان:

بعد كتابة ما تقدم بأيام، أطلعني بعض إخواني على كتاب هام بعنوان: (فتح من العزيز الغفار بإثبات أن تارك الصلاة ليس من الكفار) تأليف عطاء بن عبد اللطيف أحمد، ففرحت به فرحًا كبيرًا، وازداد سروري حينما قرأته، وتصفحت بعض فصوله، وتبين لي أسلوبه العلمي، وطريقته في معالجة الأدلة المختلفة، التي منها -بل هي أهمها- تخريج الأحاديث، وتتبع طرقها وشواهدها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، ليتسنى له بعد ذلك إسقاط ما لا يجوز الاشتغال به لضعفها، والاعتماد على ما ثبت منها، ثم الإستدلال به، أو الجواب عنه.

وهذا ما صنعه الأخ المؤلف -جزاه الله خيرًا- خلافًا لبعض المؤلفين الذين يحشرون كل ما يؤيدهم دون أن يتحروا الصحيح فقط، كما فعل الذين ردوا علي في مسألة وجه المرأة من المؤلفين في ذلك؛ من السعوديين، والمصريين، وغيرهم.

أما هذا الأخ (عطاء) فقد سلك المنهج العلمي في الرد على المكفرين؛ فتتبع أدلتهم، وذكر ما لها وما عليها، ثم ذكر الأدلة المخالفة لها على المنهج نفسه، ووفق بينها وبين ما يخالفها بأسلوب رصين متين، وإن كان يصحبه -أحيانًا- شيء من التساهل في التصحيح باعتبار الشواهد، ثم التكلف في التوفيق بينه وبين الأحاديث الصحيحة الدالة على كفر تارك الصلاة؛ كما فعل في حديث أبي الدرداء في الصلاة: ( ... فمن تركها فقد خرج من الملة)؛ فإنه بعد أن تكلم عليه، وبين ضعف إسناده، عاد فقواه بشواهده.

وهي في الحقيقة شواهد قاصرة لا تنهض لتقوية هذا الحديث، ثم أغرب فتأول الخروج المذكور فيه بأنه خروج دون الخروج!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015