(وإن ترك شيئًا من العبادات الخمسة تهاونًا لم يكفر).

كذا في كتابه (المقنع) ونحوه في (المغني) (2/ 298 - 302)، في بحث طويل له، ذكر الخلاف فيه وأدلة كل ثم انتهى إلى هذا الذي في (المقنع).

وهو الحق الذي لا ريب فيه وعليه مؤلفًا (الشرح الكبير) و (الإنصاف) كما تقدم.

وإذا عرفت الصحيح من قول أحمد فلا يرد عليه ما ذكره السبكي في ترجمة الإمام الشافعي، حيث قال في (طبقات الشافعية الكبرى) (1/ 220):

(حكي أن أحمد ناظر الشافعي في تارك الصلاة، فقال له الشافعي: يا أحمد أتقول: إنه يكفر؟ قال: نعم، قال: إن كان كافرًا فبم يسلم؟ قال: يقول: لا إله إلا الله محمدًا رسول الله، قال: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه، قال: يسلم بأن يصلي، قال: صلاة الكافر لا تصح ولا يحكم بالإسلام بها فانقطع أحمد وسكت)!!!

فأقول: لا يرد هذا على الإمام أحمد -رحمه الله- لأمرين:

أحدهما: أن الحكاية لا تثبت، وقد أشار إلى ذلك السبكي -رحمه الله- بتصديره إياها بقول: (حُكيَ) فهي منقطعة.

والآخر: أنه ذُكر بناء على القول بأن أحمد يكفر المسلم بمجرد ترك الصلاة، وهذا لم يثبت عنه -كما تقدم بيانه-.

وإنما يرد هذا على بعض المشايخ الذين لا يزالون يقولون بالتكفير بمجرد الترك وأملي أنهم سيرجعون عنه بعد أن يقفوا على هذا الحديث الصحيح -الذي بنينا هذه الرسالة عليه-، وعلى قول أحمد -وغيره من كبار أئمة الحنابلة- الموافق له.

فإن تكفير المسلم الموحد بعمل يصدر منه غير جائز، حتى يتبين منه أنه جاحد، ولو لبعض ما شرع الله، كالذي يدعى إلى الصلاة وإلا قُتل -كما تقدم-.

ويعجبني بهذه المناسبة ما نقله الحافظ في (الفتح) (12/ 300) عن الغزالي أنه قال: (والذي ينبغي الاحتراز منه: التكفير ما وجد إليه سبيلًا فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة، أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد).

هذا وقد بلغني أن (بعضهم) لما أوقف على هذا الحديث شكك في دلالته على نجاة المسلم التارك للصلاة من الخلود في النار مع الكفار، وزعم أنه ليس له ذكر في كل الدفعات التي أخرجت من النار.

وهذه مكابرة عجيبة، تذكرنا بمكابرة بعض متعصبة المذاهب في رد دلالات النصوص انتصارًا للمذهب فإن الحديث صريح في أن الدفعة الأولى شملت المصلين بعلامة أن النار لم تأكل وجوههم، فما بعدها من الدفعات ليس فيها مصلون بداهة.

فإن لم ينفع مثل هذا بعض المقلدين الجامدين، فليس لنا إلا أن نقول: {سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}.

والخلاصة:

أن حديثنا هذا -حديث الشفاعة- حديث عظيم بكثير من دلالاته ومعانيه؛ من ذلك -كما قدمت- دلالته القاطعة على أن تارك الصلاة -مع إيمانه بوجوبها- لا يخرج من الملة، ولا يخلد في النار مع الكفرة والمشركين.

ولذلك فإني أرجو مخلصًا كل من وقف على هذه الرسالة المتضمنة هذا الحديث -وغيره مما في معناه- أن يتراجع عن تكفير المسلمين التاركين للصلاة مع إيمانهم بها، والموحدين لله تبارك وتعالى؛ فإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015