ومثلها أم حبيبة بنت جحش زوجة عبد الرحمن بن عوف، واستحيضت سبع سنين، وحديثها عند الشيخين أيضًا، وهو مخرج في (الصحيح) أيضًا (283).

وثمة ثالثة، وهي حمنة بنت جحش، وهي التي أشار إليها ابن تيمية، فإن في حديثها: (إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم ... ) الحديث.

هذا؛ وهناك نص آخر للإمام أحمد، كان ينبغي أن يضم إلى ما سبق نقله عنه لشديد ارتباطه به، ودلالته أيضًا على أن تارك الصلاة لا يكفر بمجرد الترك ولكن هكذا قدر.

قال عبد الله بن الإمام أحمد في (مسائله) (ص 56/ 195):

(سألت أبي عن رجل فرط في صلوات شهرين؟ فقال: (يصلي ما كان في وقت يحضره ذكر تلك الصلوات، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر وقت الصلاة التي ذكر فيها هذه الصلوات التي فرط فيها؛ فإنه يصلي هذه التي يخاف فوتها، ولا يضيع مرتين، ثم يعود فيصلي أيضًا حتى يخاف فوت الصلاة التي بعدها، إلا إن كان كثر عليه، ويكون ممن يطلب المعاش، ولا يقوى أن يأتي بها، فإنه يصلي حتى يحتاج إلى أن يطلب ما يقيمه من معاشه، ثم يعود إلى الصلاة، لا تجزئه صلاة وهو ذاكر الفرض المتقدم قبلها، فهو يعيدها أيضًا إذا ذكرها، وهو في صلاة).

فانظر أيها القارئ الكريم: هل ترى في كلام الإمام أحمد هذا إلا ما يدل على ما سبق تحقيقه أن المسلم لا يخرج من الإسلام بمجرد ترك تلك الصلاة، بل صلوات شهرين متتابعين! بل وأذن له أن يؤجل قضاء بعضها لطلب المعاش!

وهذا عندي يدل على شيئين:

أحدهما: وهو ما سبق وهو أنه يبقى على إسلامه، ولو لم تبرأ ذمته بقضاء كل ما عليه من الفوائت.

والآخر: أن حكم القضاء دون حكم الأداء؛ لأنني لا أعتقد أن الإمام أحمد، بل ولا من هو دونه في العلم يأذن بترك الصلاة حتى يخرج وقتها لعذر طلب المعاش.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

واعلم أخي المسلم أن هذه الرواية عن الإمام أحمد، وما في معناها هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه كل مسلم لذات نفسه أولًا، ولخصوص الإمام أحمد ثانيًا، لقوله رحمه الله: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) (?)، وبخاصة أن الأقوال الأخرى المروية عنه على خلاف ما تقدم مضطربة جدًا، كما تراها في (الإنصاف) (1/ 327 - 328) وغيره من الكتب المعتمدة.

ومع اضطرابها؛ فليس في شيء منها التصريح بأن المسلم يكفر بمجرد ترك الصلاة.

وإذ الأمر كذلك؛ فيجب حمل الروايات المطلقة عنه على الروايات المقيدة، والمبينة لمراده رحمه الله، وهي ما تقدم نقله عن ابنه عبد الله.

ولو فرضنا أن هناك رواية صريحة عنه في التكفير بمجرد الترك، وجب تركها، والتمسك بالروايات الأخرى لموافقتها لهذا الحديث الصحيح الصريح في خروج تارك الصلاة من النار بإيمانه ولو مقدار ذرة.

وبهذا صرح كثير من علماء الحنابلة المحققين، كابن قدامة المقدسي، كما تقدم في نقل أبي الفرج عنه

ونص كلام ابن قدامة (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015