الصحيحة) منها حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه (برقم: 87) ولفظه:

(يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام، ولا صلاة، ولا نسك، ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة، فلا يبقى منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير، والعجوز؛ يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: (لا إله إلا الله) فنحن نقولها.

قال صلة بن زفر لحذيفة: ما تغني عنهم (لا إله إلا الله) وهم لا يدرون ما صلاة، ولا صيام، ولا نسك، ولا صدقة؟

فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثًا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة.

ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة تنجيهم من النار. (ثلاثًا).

قلت: فسودوا في تضعيف هذا الحديث ثلاث صفحات كبار في الرد علي لتصحيحي إياه، ولم يجدا ما يتعلقان به لتضعيفه إلا أنه من رواية أبي معاوية محمد بن خازم الضرير، بحجة أنه كان يرى الإرجاء! وأن الحديث موافق لبدعة الإرجاء!!

وهذا من الجهل البالغ، ولا مجال الآن لبيانه إلا مختصرًا، فإن أبا معاوية مع كونه ثقة محتجًا به عند الشيخين؛ فإنه قد توبع من ثقة مثله، وأن الحديث لا صلة له بالإرجاء مطلقًا.

وهما إنما ادعيا ذلك لجهلهم بالعلم، وكيف يكون ذلك وقد صححه الحاكم والذهبي، وكذا ابن تيمية والعسقلاني والبوصيري.

ولئن جاز في عقلهما أن هؤلاء العلماء كانوا في تصحيحهم إياه جميعًا مخطئين! فهل وصل الأمر بهما أن يعتقدا بأنهم يصححون ما يؤيد الإرجاء؟!

تالله إنها لإحدى الكبر أن يتسلط على هذا العلم من لا يحسنه، وأن يضعفوا ما أهل العلم يصححونه!

وهذا الحديث الصحيح يستفاد منه أن الجهل قد يبلغ ببعض الناس أنهم لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادة، وهذا لا يعني أنهم يعرفون وجوب الصلاة وسائر الأركان، ثم هم لا يقومون بها؛ كلا ليس في الحديث شيء من ذلك، بل هم في ذلك ككثير من أهل البوادي، والمسلمين حديثًا في بلاد الكفر، لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادتين.

وقد يقع شيء من ذلك في بعض العواصم، فقد سألني أحدهم هاتفيًا عن امرأة تزوجها، وكانت تصلي دون أن تغتسل من الجماع!

وقريبًا سألني إمام مسجد ينظر إلى نفسه أنه على شيء من العلم يسوغ له أن يخالف العلماء! سألني عن ابنه أنه كان يصلي جنبًا بعد أن بلغ مبلغ الرجال واحتلم، لأنه كان لا يعلم وجوب الغسل من الجنابة!!

وقد قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (22/ 41): (ومن علم أن محمدًا رسول الله، فآمن بذلك ولم يعلم كثيرًا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ فإنه [أن] لا يُعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلوغ أولى وأحرى، وهذه سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المستفيضة عنه في أمثال ذلك ... ).

ثم ذكر أمثلة طيبة، منها المستحاضة، قالت: إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة والصوم؟ فأمرها بالصلاة زمن دم الإستحاضة، ولم يأمرها بالقضاء.

قلت: وهذه المستحاضة هي فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، وحديثها في (الصحيحين) وغيرهما، وهو مخرج في (صحيح أبي داود) (281).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015