الصلاة) فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار، لا على الحقيقة، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) ... وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد.
قال شيخنا رحمه الله (يعني الموفق المقدسي): وهذا أصوب القولين، والله أعلم).
قلت: ونقله الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في حاشيته على (المقنع) (1/ 95 - 96) لابن قدامة مقرًا له.
ومع تصريح الإمام الشوكاني في (السيل الجرار) (1/ 292) بتكفير تارك الصلاة عمدًا، وأنه يستحق القتل، ويجب على إمام المسلمين قتله، فقد بين في (نيل الأوطار) أنه لا يعني كفرًا لا يغفر، فقال بعد أن حكى أقوال العلماء واختلافهم، وذكر شيئًا من أدلتهم (1/ 154 - 155):
(والحق أنه كافر يقتل، أما كفره، فلأن الأحاديث صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق.
ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون، لأنا نقول: لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا، فلا ملجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيعتها).
ولقد صدق رحمه الله، لكن ذهابه إلى جواز إطلاق اسم (الكافر) على تارك الصلاة، هو توسع غير محمود عندي، لأن الأحاديث التي أشار إليها ليس فيها الإطلاق المدعى، وإنما فيها: (فقد كفر)!
وما أظن أن أحدًا يستجيز له أن يشتق من هذا الفعل اسم فاعل، فيقول منه: (كافر)، إذن لزمه أن يطلقه أيضًا على كل من قيل فيه: (كفر)، كالذي يحلف بغير الله ومن قاتل مسلمًا أو تبرأ من نسب، ونحو ذلك مما جاء في الأحاديث.
نعم؛ لو صح ما رواه أبو يعلى (2349) وغيره عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ:
(عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أسس الإسلام؛ من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان).
أقول: لو صح هذا لكان دليلًا واضحًا على جواز إطلاقه على تارك الصلاة، ولكنه لم يصح؛ كما كنت بينته في (السلسلة الضعيفة) (94).
والخلاصة: أن مجرد الترك لا يمكن أن يكون حجة لتكفير المسلم، وإنما هو فاسق، أمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، والحديث الذي هو عماد هذه الرسالة نص صريح في ذلك لا يسع مسلمًا أن يرفضه.
وأن من دعي إلى الصلاة، وأنذر بالقتل إن لم يستجب فقتل فهو كافر -يقينًا- حلال الدم، لا يصلي عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
فمن أطلق التكفير فهو مخطئ ومن أطلق عدم التكفير فهو مخطئ، والصواب التفصيل.
وبعد:
فإن أخشى ما أخشاه أن يبادر بعض المتعصبين الجهلة، إلى رد هذا الحديث الصحيح لدلالته الصريحة على أن تارك الصلاة كسلًا مع الإيمان بوجوبها داخل في عموم قوله تعالى: { ... ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، كما فعل بعضهم أخيرًا بتاريخ (1407 هـ)؛ فقد تعاون اثنان من طلاب العلم -أحدهما سعودي والآخر مصري-، فتعقباني في بعض الأحاديث من المئة الأولى من (سلسلة الأحاديث