(قلت: نفي التسمية المذكورة عن تارك الصلاة: فيه نظر، فقد سمى الله تعالى الفئة الباغية مؤمنة في الآية المعروفة: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ... } مع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث المتقدم: ( ... وقتاله كفر)، فكما لم يلزم من وصف المسلم الباغي بالكفر نفي اسم المؤمن عنه فضلًا عن اسم المسلم فكذلك تارك الصلاة، إلا إن كان يقصد بذلك النفي أنه مسلم كامل! وذلك بعيد).
قال: (نعم؛ يبقى أن يقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار؟
فيقال: ينفعه إن لم يكن المتروك شرطًا في صحة الباقي واعتباره وإن كان المتروك شرطًا في اعتبار الباقي لم ينفعه. فهل الصلاة شرط لصحة الإيمان؟ هذا سر المسألة).
قلت: ثم أشار -رحمه الله- إلى الأدلة التي كان ذكرها للفريق الأول المكفر، ثم قال: (وهي تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة).
فأقول: يبدو لي جليًا أن ابن القيم رحمه الله بعد بحثه القيم في التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، وأن المسلم لا يخرج من الملة بكفر عملي، لم يستطع أن يحكم للفريق المكفر بترك الصلاة، مع الأدلة الكثيرة التي ساقها لهم، لأنها كلها لا تدل على الكفر العملي!
ولذلك؛ لجأ أخيرًا إلى أن يتساءل: (هل ينفعه إيمانه؟ وهل الصلاة شرط لصحة الإيمان؟).
قلت: إن كل من تأمل في جوابه على هذا التساؤل يلاحظ أنه حاد عنه إلى القول بأن الأعمال الصالحة لا تقبل إلا بالصلاة فأين الجواب عن كون الصلاة شرطا لصحة الإيمان؟
أي: ليس فقط شرط كمال، فإن الأعمال الصالحة كلها شرط كمال عند أهل السنة، خلافًا للخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار، مع تصريح الخوارج بتكفيرهم.
فلو قال قائل بأن الصلاة شرط لصحة الإيمان، وأن تاركها مخلد في النار؛ فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا، وأخطر من ذلك أنه خالف حديث الشفاعة هذا، كما تقدم بيانه.
ولعل ابن القيم -رحمه الله- بحيدته عن ذاك الجواب، أراد أن يشعر القارئ بأهمية الصلاة في الإسلام من جهة وأنه لا دليل على أنها شرط لصحة الإيمان من جهة أخرى.
وعليه؛ فإن تارك الصلاة كسلًا لا يكفر عنده إلا إذا اقترن مع تركه إياها ما يدل على أنه كفر كفرًا اعتقاديا؛ فهو في هذه الحالة -فقط- يكفر كفرًا يخرج به من الملة، كما تقدمت الإشارة بذلك مني، وهو ما يشعر به كلام ابن القيم في آخر هذا الفصل، فإنه قال:
(ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها، ودعي إلى فعلها على رؤوس الملأ، وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويشد للقتل، وعصبت عيناه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك؟! فيقول: اقتلوني، ولا أصلي أبدًا).
قلت: وعلى مثل هذا المصر على الترك والامتناع عن الصلاة، مع تهديد الحاكم له بالقتل: يجب أن تحمل كل أدلة الفريق المكفر للتارك للصلاة.
وبذلك تجتمع أدلتهم مع أدلة المخالفين ويلتقون على كلمة سواء؛ أن مجرد الترك لا يكفر، لأنه كفر عملي، لا اعتقادي كما تقدم عن ابن القيم.
وهذا ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، -أعني أنه حمل تلك الأدلة هذا الحمل- فقال في (مجموع الفتاوى) (22/ 48)؛ وقد سئل عن تارك الصلاة من غير عذر: هل هو مسلم في تلك الحال؟! فأجاب -رحمه الله- ببحث طويل ملئ علمًا، لكن المهم منه الآن ما يتعلق منه بحديثنا هذا، فإنه بعد أن حكى أن تارك الصلاة يقتل عند جمهور العلماء؛ مالك والشافعي وأحمد قال: