(وإذا صبر حتى يقتل، فهل يقتل كافرًا مرتدًا، أو فاسقًا كفساق المسلمين؟

على قولين مشهورين، حكيا روايتين عن أحمد، فإن كان مقرًا بالصلاة في الباطن، معتقدًا لوجوبها، يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل ولا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم، ولهذا؛ لم يقع قط في الإسلام، ولا يعرف أن أحدًا يعتقد وجوبها، ويقال له: إن لم تصل وإلا قتلناك، وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب؛ فهذا لم يقع قط في الإسلام.

ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل: لم يكن في الباطن مقرًا بوجوبها؛ ولا ملتزمًا بفعلها، فهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة)، رواه مسلم (?).

فمن كان مصرًا على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلمًا مقرًا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور.

فإذا كان قادرًا ولم يفعل قط علم أن الداعي في حقه لم يوجد والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل.

لكن هذا قد يعارضه أحيانًا أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها وتفويتها أحيانًا.

فأما من كان مصرًا على تركها، لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلمًا.

لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في (السنن) [من] حديث عبادة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:

(خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له)).

فالمحافظ عليها: الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى.

والذي يؤخرها أحيانًا عن وقتها، أو يترك واجباتها، فهذا تحت مشيئة الله تعالى، وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه كما جاء في الحديث ... )) وعلى هذا المحمل يدل كلام الإمام أحمد (?) أيضًا الذي شهر عنه بعض أتباعه المتأخرين القول بتكفير تارك الصلاة دون تفصيل.

وكلامه يدل على خلاف ذلك بحيث لا يخالف هذا الحديث الصحيح، كيف وقد أخرجه في (مسنده) كما أخرج حديث عائشة بمعناه كما تقدم؟!

فقد ذكر ابنه عبد الله في (مسائله) (ص 55) قال: (سألت أبي -رحمه الله- عن ترك الصلاة متعمدًا؟

قال: ( ... والذي يتركها لا يصليها والذي يصليها، في غير وقتها؛ أدعوه ثلاثًا، فإن صلى وإلا ضربت عنقه، هو عندي بمنزلة المرتد ... ).

قلت: فهذا نص من الإمام أحمد بأنه لم يكفر بمجرد تركه للصلاة، وإنما بامتناعه عن الصلاة، مع علمه بأنه يقتل إن لم يصل، فالسبب هو إيثاره القتل على الصلاة، فهو الذي دل على أن كفره كفر اعتقادي فاستحق القتل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015