فهذه خمس سنن في إجابة المؤذن لا ينبغي الغفلة عنها.
وسرُّ الصلاة وروحها ولبُّها، هو إقبال العبد على الله بكليّته فيها، فكما أنه لا ينبغي أن يصرف وجهه عن القبلة إلى غيرها فيها، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه عن ربِّه إلى غيره فيها.
بل يجعل الكعبة -التي هي بيت الله- قبلة وجهه وبدنه، ورب البيت تبارك وتعالى قبلة قلبه وروحه، وعلى حسب إقبال العبد على الله في صلاته، يكون إقبال الله عليه، وإذا أعرضَ أعرض الله عنه، كما تدين تُدان.
والإقبال في الصلاة على ثلاثة منازل:
* إقبال العبد على قلبه فيحفظه ويصلحه من أمراض الشهوات والوساوس، والخطرات المُبطلة لثواب صلاته أو المنقصة لها.
* والثاني: إقباله على الله بمراقبته فيها حتى يعبده كأنه يراه.
* والثالث: إقباله على معاني كلام الله، وتفاصيله وعبودية الصلاة ليعطها حقها من الخشوع والطمأنينة وغير ذلك.
فباستكمال هذه المراتب الثلاث يكون قد أقام الصلاة حقًا، ويكون إقبال الله على المصلي بحسب ذلك.
فإذا انتصب العبد قائمًا بين يديه، بإقباله على قيُّومية الله وعظمته فلا يتفلت يمنة ولا يسرة.
وإذا كبَّر الله تعالى كان إقباله على كبريائه وإجلاله وعظمته.
وكان إقباله على الله في استفتاحه على تسبيحه والثناء عليه وعلى سُبحات وجهه، وتنزيهه عمَّا لا يليق به، ويثني عليه بأوصافه وكماله.
فإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، كان إقباله على ركنه الشديد، وسلطانه وانتصاره لعبده، ومنعه له منه وحفظه من عدوه.
وإذا تلى كلامه كان إقباله على معرفته في كلامه كأنه يراه ويشاهده في كلامه كما قال بعض السلف: لقد تجلّى الله لعباده في كلامه.
والناس في ذلك على أقسام ولهم في ذلك مشارب، وأذواق فمنهم البصير، والأعور، والأعمى، والأصم، والأعمش، وغير ذلك، في حال التلاوة والصلاة، فهو في هذه الحال ينبغي له أن يكون مقبلًا على ذاته وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه وأحكامه وأسمائه.
وإذا ركع كان إقباله على عظمة ربه، وإجلاله وعزه وكبريائه، ولهذا شرع له في ركوعه أن يقول: "سبحان ربي العظيم".
فإذا رفع رأسه من الركوع كان إقباله على حمد ربه والثناء عليه وتمجيده وعبوديته له وتفرده بالعطاء والمنع.
فإذا سجد، كان إقباله على قربه، والدنو منه، والخضوع له والتذلل له، والافتقار إليه والانكسار بين يديه، والتملق له.
فإذا رفع رأسه من السجود جثى على ركبتيه، وكان إقباله على غنائه وجوده، وكرمه وشدّة حاجته إليهنّ، وتضرعه بين يديه والانكسار؛ أن يغفر له ويرحمه، ويعافيه ويهديه ويرزقه.
فإذا جلس في التشهد فله حال آخر، وإقبال آخر يشبه حال الحاج في طواف الوداع، واستشعر قلبه